يوسف زيدان :النبى، رغم تسامحه، دعا يومَ فتح مكة إلى قتل أربعة رجال وامرأتين (حتى وإن تعلَّقوا بأستار الكعبة)
يوسف زيدان
يعرف كثيرٌ من الناس أن «أبا سفيان بن حرب بن أمية» أجاب يومَ فتح مكة عن سؤال النبى للمشركين: ماذا تظنون أنى فاعلٌ بكم؟ بقوله: أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريم.. فتسامح النبىُّ مع مُشركى قريش يومَها، وقال الحديث المشهور: مَنْ دخل البيت (الكعبة) فهو آمنٌ، ومَنْ دخل بيته (أى التزم بحظر التجوُّل) فهو آمنٌ، ومَنْ دخل دار أبى سفيان فهو آمنٌ.
وقد لا ينتبه كثيرٌ من الناس، إلى أن أبا سفيان (آنذاك) كان لايزال مشركاً، وكانت زوجته (آنذاك) هى السيدة «هند بنت عُتبة» التى فتكت بالحمزة، عمِّ النبى، وأكلت من كبده ثأراً وانتقاماً .
ولكنَّ أبا سفيان، أيضاً، هو حمو النبى (أبوزوجته) وهو أبو «معاوية» الذى يُقال إنه كتب فى صغره شيئاً من الوحى القرآنى، والذى سيصير (بعد ذاك) أول ملوك الإسلام، ومؤسس الدولة الأُموية، التى حكمت المسلمين قرابة قرنٍ من الزمان، حتى أزاحها من الحكم العباسيون.
وقليلٌ من الناس يعرفون أن النبى، على الرغم من تسامحه مع أهل قريش وغفرانه لهم يومَ فتح مكة، دعا فى ذلك اليوم إلى قتل أربعة رجال وامرأتين (حتى وإنتعلَّقوا بأستار الكعبة)
فكانت إحدى المرأتين هى «أمُّ سارة»، التى تجسَّست على المسلمين قبيل الفتح، وكادت تنقل إلى أهل مكة تحذير «حاطب بن أبى بلتعة» للمشركين بأن النبىَّ قادمٌ إليهم على رأس جيش .
وكان أحد الأربعة المطلوب قتلهم (لأسبابٍ مختلفة) هو الرجل الذى سيرتبط اسمه بعد حينٍ بفتح مصر: عبد الله بن سعد بن أبى سَرْح.. فلماذا توعَّده النبىُّ ودعا إلى قتله يوم الفتح، وما الذى صار معه من بعد الوعيد .
كان (عبدالله) هذا من فقراء قريش، وقد أسلم فى وقتٍ مبكر وهاجر مع النبى من مكة إلى المدينة،. ولأنه كان يجيد الكتابة والقراءة، فقد اختاره النبىُّ ضمن الذين كانوا يكتبون عنه الوحىَ القرآنى، وهم جماعة من الكتاب القُرشيين .
«ابن أبى سرح» ظل يكتب الوحى عن النبىِّ زمناً، حتى فوجئ الجميع يوماً بهروبه من يثرب (المدينة المنورة) إلى مكة (أمِّ القرى)، وهناك قال للمشركين إنه كان يكتب «غير» ما يمليه عليه النبىّ! فإذا أملى عليه مثلاً «سميعٌ عليم» كتبها «عليمٌ حكيم» ثم يعرض المكتوب على النبىِّ فيُقرُّه، فافتتن الرجل وقال: «ما يدرى محمدٌ ما يقول، وإنى لأكتبُ له ما شئت، والذى كتبته يُوحى إلىَّ مثلما يُوحى إلى محمد».. وهكذا ارتدَّ الرجل عن الإسلام، وهرب من المدينة إلى مكة.
وقد روت المصادر التاريخية الإسلامية المبكرة والمتأخرة، الواقعةَ السابقة، مسبوقةً بسلسلة الرواة الثقات الذين تناقلوها، وزادت بعضُ هذه المصادر، أن النبىَّ كان يُملِى على «ابن أبى سَرْح» قوله تعالى: (ولقد خلقنا الإنسان من سُلالةٍ من طين.. ثم أنشأناه خَلْقاً آخر) فقال ابن أبى سَرْح وقد بهرته الآيات: (فتبارك الله أحسن الخالقين) فقال له النبىُّ صلى الله عليه وسلَّم: اُكتبْها فإنها نزلت هكذا.
وعلى هذا النحو، كاد الرجل يُحدث فتنةً عظيمةً بين الناس، مما دعا النبىَّ إلى إهدار دمه يومَ فتح مكة.. لكنَّ ابنَ أبى سَرْح لم يُقتل، فقد اختبأ فى بيت الصحابى الجليل (والخليفة من بعدُ) عثمان بن عفان، الذى كان أخاه فى الرضاعة .
وتوسَّط عثمان (ذو النورين) وأخذ «المرتدَّ» إلى مجلس النبى، وألحَّ عليه فى قبول توبة عبدالله بن أبى سَرْح، حتى وافق النبى على مضضٍ، ثم قال بعدما بايعه: أما كان لهذا الكلب مَنْ يقتله؟ فقال رجلٌ من الأنصار ما معناه: يا رسول الله كنتُ أنظر إليك وعثمان يحاورك، عساك تومئ لى (تغمز) فأقوم وأقتله.. فقال النبى: ما كان لنبىٍّ أن يومئ، وليس فى الإسلام إيماءٌ ولا فتك.
وقد تناقل المؤرِّخون أن «ابن أبى سَرْح» كان يفرُّ من النبى كلما رآه، حتى توسَّط عثمان ثانيةً وتحدَّث إلى النبى قائلاً: يا رسول الله بأبى أنت وأمِّى، هذا ابن أمِّ عبد الله يفرُّ منك كلَّما رآك. فتبسَّم رسول الله وقال: أو لم أُبايعْه وأُؤمنه؟ فقال عثمان: بلى، ولكنه يتذكَّر عظيم جُرْمه.. فقال النبى: الإسلام يجُبُّ ما كان قبله (وهى العبارة التى كان النبى قد قالها من قبل، لعمرو بن العاص، يوم جاء ليعلن إسلامه ويبايع النبى).
وصار ابن أبى سَرْح من بعد ذلك، يجالس النبىَّ ويسلِّم عليه، مع بقية المسلمين، وبعد وفاة النبى اشترك الرجل فى الفتوحات وأبلى بلاءً حسناً، وكان فى صُحبة عمرو بن العاص حين دخل مصر بجيشه غازياً، بل كان قائد الميمنة (الجناح الأيمن من الجيش) حتى إذا تمَّ الفتحُ واستقر الأمرُ بيد المسلمين، جعله الخليفة عمر بن الخطاب أميراً على الصعيد، وترك لابن العاص إمارة بقية البلاد.
[…] للكاتب: يوسف زيدان :النبى، رغم تسامحه، دعا يومَ فتح مكة إلى قتل … يوسف زيدان:مفهوم «الإيمان» صار اليوم من أهم المفاهيم […]
[…] يوسف زيدان :النبى، رغم تسامحه، دعا يومَ فتح مكة إلى قتل … يوسف زيدان:مفهوم «الإيمان» صار اليوم من أهم المفاهيم وأكثرها خطورة، وهو ما يقتضى البحث فيه بإمعان. […]