تربية العقل الناقد
أ.د/ جودة مبروك محمد
مهمة صعبة يدركها الناقد الكبير الدكتور السيد إبراهيم في كتابه ((آفاق النظرية الأدبية الحديثة الصادر عام 2008م عن مركز الحضارة العربية)) تتصل جوانبها بتربية الأبناء بشكل مختلف يذهب بهم إلى إعمال العقل وإخراجه من براثن الجمود والجمود في خضم محفوظات لا تفيد.
وتتضح قيمة العقل وحركته لدى الشباب العربي في التطوير الحقيقي للتجربة النقدية، فلا بدّ من امتلاك المواقف الواعية إزاء كل شيءٍ حولنا من الناس والعالم، وهنا يذكر: ((وما لم نمارس التفكير الفلسفي ، ونكون قادرين على أن نربي أذواقنا على التأمل والمراجعة ودمج تجارب الآخرين دمجًا حقيقيًّا في تجاربنا سيظل النقد وغيره من ألوان النشاط العقلي يستعير من مناهج التفكير))، ولعله وافق ما ذكره الفيلسوف الكبير الدكتور زكي نحيب محمود في رؤيته بأننا عندما نستعير الوردة التي نقتطفها ونضعها في عروة الثياب مزهُّوِّين، دون أن نكون قادرين على استنبات هذا النبات الحيّ في حدائقنا، فهذا شبيه بنا؛ إذ إننا لا نربي أطفالنا على التفكير الناقد بمعناه الشامل، والنتيجة والمحصلة أطفال بلا مأوى فكريّا ونقديّا، فليس بوسعهم أن يتخذوا قرارًا أو يضيفوا رأيًا جديدًا ينمُّ عن شخصية مستقلة، بل يستسلمون للأفكار المطروحة في الطريق بدلاً من أن يتحاوروا معها.
ويرى الدكتور السيد إبراهيم أن إشكالية الرجوع إلى الخلف مردها ذلك السبب، فظل النقد في بلادنا العربية بعيدًا عن العلمية، بل أداة للتسلية السهلة، في مقابل الثقافات الأخرى الذي بات فيها علمًا مميزًا بآلة العقل وحكمة الإبداع، إن جاز التعبير، واندمج مع أفكار الفلاسفة الكبار، بداية من أفلاطون وأرسطو مرورًا بـ((نيتشه وفرويد وماركس)).
إننا ينبغي أن نضع أمام الأجيال الشابة تنوعا ومزيجًا من النصوص، ليست أدبية فقط، أو فلسفية أو تاريخية أو نصوص التحليل النفسي أو ما يمكن أن يقترب من النصية، بل كل ذلك على السواء، حتى نضمن أن تنشأ عملية التواصل والامتداد والمشاركة مع جيل العظماء من أمثال العقاد وطه حسين وتوفيق الحكيم وسهير القلماوي والشيخ محمد عبده وغيرهم، فلا يمكن أن يسمى التطور تطورًا إلا بهذا الامتداد والإبداع في ميادين جديدة من العلم وتوظيف العقل، فما أحوجنا -على حد تعبير الدكتور السيد إبراهيم- إلى عقول كثيرة متنوعة ينشأ بينها حوار خصب مفتوح، تنتقل فيه حلبة الصراع بين الأفكار إلى مجامعنا العلمية حتى يتيسر لنا أن ننفخ في الجذوة الكامنة في تراثنا وثقافتنا.
التعليقات متوقفه