بالفيديو والصور ٠٠ المسرح الاجتماعي: فرقة شابة تسلط الضوء على مشكلات المجتمع بأسلوب مؤثر
د/أمل درويش
من واقع ليس ببعيد عنا، في عالم تغيرت فيه كل المفاهيم، وأصبحت الفردية هي تلك الفقاعة التي صنعناها بأيدينا لتعزلنا عن العالم من حولنا..
حالة من التوحد اخترناها ولم تخترنا، تجمدت فيها كل الحواس، ثم انصهرت وتشكلت في صورة حاسة واحدة وهي النهم.. نهم للشهرة، نهم لجمع الأموال، ونهم للتملك، وأحيانا كثيرة فقدان الهوية واللامبالاة والانغماس في اللهث خلف الشهوات دون الاكتراث بأي شيء غير ذلك.
قد تبدو ثيمة قديمة ومستهلكة، لكنها قادمة من واقع مؤلم، تفككت فيه أوصال الأسرة نواة المجتمع؛ لنرى تكوينات وشراذم تحيا دون هدف ودون هوية ودون لون واضح.
وتأكيدا لما قاله شيشرون ليصف لنا المسرحية فيقول إنها نسخة من الحياة، مرآة للعادة، صورة منعكسة للحقيقة..
فنحن نرى على أرض الواقع حالات التفكك الأسري التي انتشرت في كل المجتمعات باختلاف مكانها وزمن حدوثها.
وكما يقول بيير دي بومارشيه: إذا كان المسرح صورة صادقة لما يجري في هذه الدنيا؛ فإن الاهتمام الذي يثيره ذلك فينا لابد بالضرورة أن يكون وثيق العلاقة بالطريقة التي ننظر بها إلى الحقيقة.
وإيمانًا من الكاتب والمخرج بضرورة التعمق في مشكلات الواقع وتسليط الضوء عليها للوصول إلى سبل حل هذه المشكلات.
والمسرح الاجتماعي ضروري جدا وله دور مؤثر على مر العصور، وقد حل محل الملهاة القديمة التي اتسمت بالطابع السياسي والملحمي، المتوغل في فضاءات الخيال، ليهبط بنا المسرح الاجتماعي إلى أرض الواقع ويسلط عدسة مكبرة على مشكلاته التي يعاني منها.
فرقة صغيرة، شابة بأعمار فريقها، يافعة بجهودهم وحيويتهم ونشاطهم الملفت على خشبة المسرح، عاقلة واعية ومهمومة بقضايا المجتمع.. يقودها مايسترو ماهر يعرف كيف يستخدم أدواته، وكيف يسيطر على هذا الشباب الجامح المتفجر بالطاقات، ويهيء المناخ المناسب لترويض مجموعة من الزهور المتفتحة التي أضاءت المسرح بطفولتهم وبراءتهم وانسيابيتهم الرشيقة.
تجربة متخمة بالجمال، إذ اتخذت المسرحية قالبًا استعراضيا شيقا، أعادنا إلى أجواء مسرح فؤاد المهندس كما في مسرحية هالة حبيبتي ومشاركة الأطفال كعنصر أساسي فيها، ومسرحية إنها حقا عائلة محترمة التي اهتمت بقضايا الأسرة، والكثير من المسرحيات الهادفة التي عرضت القضايا الاجتماعية في قالب كوميدي خفيف مضحك ومبكي، استعراضي غنائي.
اختيار أبطال العمل كان في محله، فها هي هدي التي قامت بدورها الفنانة مي عبد العزيز التي استطاعت التلون حسب الحالة الاجتماعية، فنراها في بداية العرض بشخصيتها المتواضعة التي تتجلى في ملابسها وخطواتها على المسرح، ثم تتطور باستقرارها في القصر وتتغير ملابسها وحركاتها ولكنها لا تستطيع التخلص من خلفيتها الثقافية ونشأتها المتواضعة من حي شعبي لتبدو على إيماءاتها وتعبيرات وجهها وتحركاتها.
كذلك نرى المبدع ياسر صقر، الذي أعادنا إلى زمن كبار المبدعين، فهو يمتلك صوتا عميقا وكانت كلماته تهز المسرح صدقا ووعيا واندماجه وتأثره بالدور الذي بدا واضحا فرأينا في وقفته وحديثه ثقة الفنان محمود الحديني، وعمق صوت الفنان الراحل محمود ياسين.
ومن اللافت للنظر تنوع مهارات المشاركين في العرض؛ فنرى الكاتب الشاب زياد طارق كاتب النص ومشاركا في البطولة، والممثل الموهوب ومساعد المخرج سيد أبو بكر، والمطربة الشابة أميرة سعيد والمطرب الشاب مصطفى كمال، والمداخلة الصوتية للإعلامية اللامعة رانيا حسن، ومن الذين قدموا عرضا متميزا واستعراضات رائعة كشفت عن مواهبهم المتعددة محمد أشرف وأحمد المنياوي، وغيرهم من أبطال العمل مثل شيماء زكريا، نهى النجار،مريم مراد، مدحت جمعة، محمد علي، مراد يونان، أحمد سعيد، رحاب يوسف بالإضافة إلى مجموعة من الأطفال الذين اشتركوا بالتمثيل والاستعراض فقدموا عرضا راقيا.
أما الإضاءة فقد تنوعت بين الإضاءة الكاشفة لخشبة المسرح، وبين التعتيم والتسليط المباشر كما حدث في الحلم، وفي بعض المواقف التي استلزمت تركيز الضوء على أحد الأبطال ليلقي كلمات بمثابة رسائل لكل رب أسرة ترشده أن تأمين مستقبل الأبناء ليس بالمال فقط، وأن الرعاية والاهتمام والاقتراب منهم له دور أهم في التربية وتأمين المستقبل.
الموسيقى كانت مناسبة للمواقف فتنوعت بين الإثارة والهدوء حسب كل مشهد.
اختيار الملابس كان له دور فاعل في اندماج الشخصيات وتقديمها بالشكل المناسب بتوجيهات الستايلست داليا حسام.
بالنهاية نرى أن المخرج بلال الملاح لديه رؤية وهدف يحاول تحقيقهما بخطى ثابتة، فيعيدنا لزمن المسرح الاجتماعي الجميل الهادف، دون الاستعانة بوهج النجوم الكبار، ولكنه يسلك طريقا وعرة يبحث فيها وينقب ليكتشف لنا نجوما جديدة، ويطورها بذكائه وحنكته في مجال التدريب على التمثيل مع عبقرية الإخراج، ليقدم لنا عملا يناسب الأسرة المصرية والعربية ويخرج منه المشاهد مكتنزا بمجموعة الرسائل المنمقة والمطرزة في نسيج العمل بشكل بسيط لا يبعث على الملل،
ولا يفقد المشاهد بهجة الأجواء ولا يخرجه من دائرة المتابعة لبقعة الضوء المتحركة على خشبة المسرح التي تلقي بظلالها في عقله الباطن لتستقر فيه بهدوء لتشكل دوائر جديدة من الوعي.
التعليقات متوقفه