محمد غنيم يكتب :الالتقاء الثقافي والحضاري بين الشعوب
أنا ممن يبغضون تعالي جنس على جنس أو بشر على بشر أو حضارة على حضارة. لأن البشر الأول هو الذي وضع أول لبنة فى بناء الحضارة الأولى، وأن البنائين والصناع وتكاتف الأيدي والتلاحم هو الذى صنع الحضارة، وأن الدين قد ساهم أيضًا فى بناء الحضارة كما كان للأدب أيضًا دوره فى هذا البناء. وكذلك الفن والثقافة والتقاء الأفكار والثقافات والفنون هى التي صنعت مزيج أى حضارة من الحضارات. وإذا نظرنا إلى الحضارة الحديثة فى أمريكا فإني أرى أن مؤسسوها الأوائل هم من اكتشفوا هذه الأرض وهم من هاجروا إليها من أوروبا ومختلف أنحاء العالم ، وكذلك الأفارقة الذين ساعدوا فى بناء هذه الحضارة بسواعدهم القوية ومجهودهم الوافر. ناهيكم عن الحضارات القديمة ( البابلية والآشورية والفرعونية واليونانية والمسيحية والحضارة الإسلامية). كل هذه الحضارات قدمت زادًا للبشرية متمثلًا فى الفكر والثقافة والطب والهندسة والعلوم والعمارة. ومازالت أثار هذه الحضارات شاخصة باقية تزخر بكل آيات الفن العظيمة التى لا نستطيع الآن أن نصنع مثلها، فلا تستطيع دولة أن تبنى هرمًا أو عجيبة من عجائب الدنيا.
ولكن تحولت الحضارات إلى طرح إليكتروني يتعامل مع آلات معقده يستخدمها الإنسان فى طرح نفسه فقط بما يحمله من ثقافة خاصة دون النظر والبحث فى ثقافة الآخرين ومعرفة أى شيء عن واقعهم ومشكلاتهم وتراثهم وثقافاتهم مما جعل الإنسان يعيش فى جزر منعزلة متوجسًا من الآخرين ومستوحشًا فى عزلته، ومتشككًا فى النوايا ومتهمًا بلا دليل.
لذا وجب علينا جميعًا أن نلغي المسافات بين الأفراد وبين الشعوب ونعيش معهم ونفهم بوعي أساليب عيشهم وتفكيرهم وتراثهم الأدبي والثقافي والديني ونقف على مدى التباين فى هذه الثقافات ومعرفة أسباب اختلافها وانعكاسها على السلوك البشرى. وأنا ككاتب لا أبغي من وراء طرح ثقافتي إلا أن أقدم للناس غذاء فكريًّا يساعد على بناء الفكر، وكذلك أغوص فى ثقافات الآخرين كي أعرفها، وأعيش الكاتب وكل الشخصيات التى تعيش فى الواقع، أو التى أنسجها من خيالي لأتعرف على ظروفها الاجتماعية لكي أرقى بشخوصي إلى الشخصية المتكاملة التى تستطيع أن تقف فى الصف البشرى متأثرة ومؤثرة لتجعل المتلقي متأملًا فى طبائع البشر، ليضع نفسه مكان هذه الشخصية ليرى كيف يتصرف، وكيف يتفاعل مع الآخرين.
وإذا كان الاختلاف فى البشر سمة رئيسية فى طبيعة الخلق ( اختلاف فى الشكل ، والموقع ، والطبيعة ، والبصمة، واللغة) إلا أن هذا الاختلاف شيء مهم فى إثراء الحياة فى تنوعها، لأن البشرية إذا صارت رجلًا واحدًا او امرأة واحدة فسوف تصبح هذه الحياة خالية ليس فيها إلا هذا الرجل وهذه المرأة. إننا جميعًا نعمل ونتعلم ونخرج من نطاق حدودنا إلى حدود الآخرين، ومن ذواتنا إلى ذات الآخرين لنطبع اللغة والمعرفة والثقافة حتى تكون هذه الثقافة ثقافة متعددة فى كل الاتجاهات. لأننا إذا نظرنا إلى هذا الكون نجده ثريًّا فى الاختلاف .
فالمياه مالحة وعذبة ، والجبال قاسية وصلبه ولينة هشة ، والكواكب بأعدادها الهائلة مختلفة فى اللون والحجم والطبيعة، والسحب ملقحة وغير ملقحة، والشمس والقمر والليل والنهار وغيرها من مفردات الكون، كالتنوع فى الزراعات والحيوانات والطيور والحشرات، إنما هى صفحة رائعة جعل من اختلافها منظومة متناسقة لأنها ضمت فى عقد فريد ، وحبكة رائعة بحيث لا يرى الإنسان ان بينها تنافر من نوعا ما ولكن يراها لوحة جميلة وكذلك البشر” تنوعهم واختلافهم” قد يرسم لوحة رائعة تثري الحياة وتجعلها تعزف لوحة رائعة تثرى الحياة وتجعلها تعزف هارمونيكا رائعة إذا ما استلهمت من الدين أمره الرئيسي وهو ” أن الله جعلنا شعوبًا وقبائل لنتعارف” وحض على أن يحب الإنسان للآخرين ما يحبه لنفسه وأن يتأمل ليعرف ، وأن يفكر ليقترب ، وأن يحب ليرقى وأن يساعد ليقوى، وأن يقف ضد الظلم ليعم العدل، وأن يتحدى الصدق حتى لا يقتات الكذب.
من كلمتى أمام الطلبة فى إيطاليا باللغة الإيطالية
التعليقات متوقفه