بقلم أحمد علام :تلتهم الثقوب السوداء الأكوان فتختفي تماماً ، ولا يبقى للإنسان شيء ذلك الكائن غير المرئي وسط المساحات الشاسعة للكون المتمدد بإستمرار بملايين السنوات الضوئية ؛ حيث لا تحتل اللحظة المعرفية الغير مكتملة التي أومضت على أحد مئات الملايين من الكواكب السابحة حول النجوم بكل المجرات العملاقة شيئاً يذكر ، بل إذا تنهدت الطبيعة الكونية أزالت تلك اللحظة تماماً من الوجود ؛ وكأنه شيئاً لم يكن .
ولا يجد للإنسان بُداً إلا أن يتعايش مع المعاني والقوالب المختزنة والسلوك المبرمج الذي يلاقيه في عقله اللاواعي ؛ لتتشكل حياته من جزيئات الفهم لكل أمر يتكرر ويصلح اندماجه مع البيانات الأساسية ، والقائمة الرئيسية المُعدة سلفاً في صبيحة عمر الإنسان بعينه تُسجل وأذنه ترصد وعقله يفهم ويحتفظ بالمعلومات لترشده إلى كل ما هو قادم ، وتمهد له الطريق الذي سينتهي به إلى مصيره .
ضوء الحروف ونور الكلمات وإشعاعات المعاني والتراكيب تملأ العقل الباطن وضوحاً ؛ وتختار لكل سلوك متبع من الانسان اللحن المناسب ، الذي يضرب على أوتار قلبه لتلهب الأحاسيس ، وتنفعل مع المعاني والتصرفات اللامتناهية فتشتد كل الطرق زحاماً ونشازاً عنده إلا ذلك الطريق الذي اجتمع فيه العقل والقلب ؛ ليصب فيه العمل مباشرة وكأنما حكمة الدنيا وُلدت هنا وستعيش .
في ذلك الضباب الكثيف من الفكر المتوازي والمتعامد والمتعارض ؛ يتهاوى الإنسان جراء مصائر أفعال نبتت من أفكار تجد لها جذور في تربة عقله اللاواعي ؛ تصدر الأحكام ناهيك عن حقها وبطلانها إلا أنها تتوافق مع الجذور القديمة والمتوغلة في عمر الانسان ، حتى أصبحت جزءاً لا يفارقه بل هو البرنامج الذي أعده كل من حوله بشكل مباشر أو غير مباشر؛ لينضم إلي الصف الطويل ويُرقم كغيره لا يملك الاعتراض ؛ ولا يريده فقد نُزعت منه ملكة الاختيار والحرية ليسير صامتاً حتي يعجز ويموت ، ثم يأتي غيره لتدور الدائرة بلا نهاية .
ثمة أناس يخترقون ذلك القالب الفولاذي ويضعون نقطة ؛ ويبدأون في إعادة برمجة عقولهم من جديد وذلك بتمحيص كل البيانات المسجلة ؛ وإختبارها بأنفسهم ولا يقومون بالتسجيل النهائي في اللوحة العبقرية للإرشادات إلا بعد البعد النهائي عن كل المؤثرات الداخلية والخارجية ، لرسم ألوان طيف جديدة لأشخاصهم يكون لهم فيها الحق الحصري في التطبيق ؛ وتحصيل السعادة المرجوة فيما يجدون والوصول إلى أعلى نقطة في منحنى التناغم الكامل بين التصرف والمسجل بلوحة العقل الباطن ؛ ويأتي الرضا الكامل هنا للمرة الأولى للإنسان حين يضع الكلمات والمعاني ، ويربط بينهم بنفسه وعقله الحر فتتكون لديه مفرداته الخاصة وينهل من ذلك القامــوس الفريد ؛ لك أنت وحدك وعالمك الذي لا يشاركك فيه أحد بين طياته … قــاموس الدنيــا .
التعليقات متوقفه