لم
تكن تكمل سعادتى فى كل مرة ازور فيها مصر الا بزيارتى لصديقى العزيز الفنان الكبير المثقف سمر الاسكندرانى ..نتقابل فى مزرعتى احيانا ،او فى شقته بالاسكندرية ،او فى القاهرة على جبل المقطم . وكان كل همنا هموم مصر والديمقراطية والارتقاء بالفرد والالتقاء الثقافى والحضاري بين الشعوب .
وعندما أسست جريدة الجمهورية والعالم عام 2005 قررت ان افتح هذا الكنز الثمين ليقص لى عن حياته … واقترحت عليه ان نقوم بعمل (عمود) ثابت فى الجريدة بعنوان “محطات “… ووافق …سألته عن المخابرات …وعن ايطاليا ..بدايته فقال:
طبعا أنا كنت أتحدث الإيطالية.. وكنت مازلت طالبا بكلية الفنون الجميلة وأيامها حدث خلاف بينى وبين والدى بسبب تأخرى خارج البيت.. فأنا لما رجعت من إيطاليا وكانت المخابرات الإسرائيلية قد حاولت تجنيدى وأخبرت والدى بذلك وأعطينا علما للمخابرات العامة وقابلت الرئيس عبد الناصر.. وسوف أحكى تفاصيل هذا اللقاء فى مرة أخرى.
المهم.. المخابرات العامة أخبرتنا بأنه لا داعى للقلق وأن الأمر طبيعى وأن هناك كثير من الأجانب الذين يتصلون بالشباب والطلبة المصريين وأنه لا داعى مطلقا أن يعرف أى شخص أى شئ عن هذا الموضوع.. وكان سبب تأخرى خارج المنزل أن المخابرات العامة كانت تكلفنى بأعمال تقتضى ذلك فلا أعود إلى البيت إلا فى وقت متأخر فأعتقد والدى أنى ولد (بايظ) فطردنى من البيت واضطررت إلى أن أسكن مع أحد أصدقائى من ريف المنوفية وكان اسمه (كمال السراج) وكان يسكن فى مكان متواضع على الضفة الثانية من النيل أمام كلية الفنون الجميلة وبيت أم كلثوم وقد أصبح السراح فيما بعد عميد لكلية الفنون الجميلة ثم رئيسا لجامعة حلوان.
وعندما أقمت مع صديقى بدأت أخرج للحياة لكى أعيش وأكسب عيش فتوجهت إلى شخص أعرفه وأحبه جدا وهو كاتب كبير الآن وكان رئيسا لتحرير مجلة الجيل الجديد فى ذلك الوقت وهو (أنيس منصور) وأخذت معى الرسومات واللوحات الخاصة بى لكى يراها.. ولكى أعمل عنده رسام فى المجلة لكن أستطيع أن أواصل دراستى وأكسب مصروفاتى ونفقات معيشتى وثمن أدوات ولوازم الرسم من ألوان وأحبار وورق وغيرها من الأشياء التى استخدمها فى الرسم وكنت وقتها فى البكالوريوس.
وأخذ منى (أنيس منصور) الدوسيه وبه اللوحات والرسومات وقال لى: أنه سيعرضها على الأستاذ (على أمين) وأخبرنى بأن أعود إليه بعد أسبوع.
وعندما رجعت إليه فى الميعاد بعد أسبوع بالتمام أخبرنى أن (على أمين) وافق على تشغيلى وبمرتب 15جنيه فى الشهر.. ودى كانت حاجة هايلة فى الوقت ده.. لأنى بعد عدة شهور تم تعيينى معيدا بالكلية بمرتب 17جنيه و30قرش.
وقد عرف أنيس منصور أننى أتكلم الإيطالية وأنيس كان يعرف الإيطالية ولكنه لا يتذكرها مثلما أتذكرها أنا.. فهو إذا كان يريد أن يتذكر كلمة بالإيطالى ممكن يتأخر بعض الشئ فى تذكرها وعندما أتدخل وأكمل له ما يريد أن يقوله.
وأذكر أنه عندما رجعت إليه فى الميعاد الذى أخبرنى فيه بموافقة على أمين على تعيينى بمرتب 15جنيه.. يومها كان عنده صحفي إيطالي من جريدة (الكوريرا ديلاسيرا) ويومها قال لى: أقعد خلص الحدوته مع الصحفي الإيطالي بتاع (الكوريرا ديلاسيرا) ولكن الشئ الغريب أن أنيس منصور بعد انصراف الصحفي الإيطالي وجدته يقول لى:
خد الدوسيه بتاعك.. أنا مش ها شغلك عندى..!!
وعندما سألته:
هل أنا أخطأت فى شئ؟ وإذا كنت أخطأت فأنا متأسف..
فقال لى: لا أنت لم تخطئ فى شئ.. أنت بتعرف إيطالي كويس وهناك صديق محتاج لك أكثر منى.. وهو يعمل مدير عام البرامج فى الإذاعة فى شارع الشريفين وشارع علوى.. وهو اسمه (عبد الحميد الحريرى).. و عنده مصريين مثل: إليك مجلى وسليم رزق الله فى البرنامج الإنجليزي وفى البرنامج الفرنساوى عنده: ليلى الكردانى وفى البرنامج اليوناني الدكتور على نور.. ولكن فى البرنامج الإيطالي كلهم إيطاليون وهو يريد أن يمصر البرنامج.. روح للحريري.. وحاولت أن أقنعه بالبقاء معه بكل الطرق.. ولكنه رفض.
ذهبت إلى عبد الحميد الحريرى وكان شخصية مخيفة والكل يعمل له حساب.. أمين بسيونى مثلا كان يعمل له عشرة آلاف حساب، وكانت سامية صادق وقتها صغيرة فى السن.. والحقيقة أنه كان رجلا له فكر وصديقا للمفكرين الكبار وكانوا (شلة) مفكرين مع بعض: أنيس منصور وكمال الملاح ومدحت عاصم والشيخ الدكتور أحمد حسن الباقورى وزير الأوقاف الأسبق.. وعندما ذهبت إلى هناك حاولت أن أمثل كل أساليب قلة الأدب المتاحة وكل أساليب السخافة ولكن فى إطار ذكى.. لأني كنت أريده أن يطردني فأعود مرة ثانية لأنيس منصور.
وكان أول شئ عملته أنى اشتريت علبة سجاير ودخلت عنده وقلت له: أنيس منصور بعتنى لك علشان أنت محتاج لى قال لى: أهلا وسهلا.. وقام من المكتب وقال لى: أتفضل وأول ما جلست قمت بأشعال سيجارة وكانت أول سيجارة فى حياتى وطبعا كحيت كحة شديدة.. وطبعا أنا كنت عارف أنى لو دخنت سيجارة أمام شخص كبير “فى عمر والدي مثلا” يبقى أنا قليل الأدب وغير مهذب.. فسألني: تحب تشرب قهوتك أيه..؟ وطبعا كان فاكر أنى واد شخصية ومفتح ومن هذا النوع من الشباب.. ومش عارف أنى بعمل مسرحية علشان يطردنى.. ولكنى وجدته يتصل بالتليفون وأحضر الجماعة بتوع القسم الإيطالي.. كانت واحدة أسمها (نادية ليون كافللو) ورجل اسمه (بنيو) فأحضروا لى نصا وبعد قراءة النص فى الأستوديو قالوا له: صوته كويس جدا ولكنه يحتاج إلى أن يتعلم كيف يقرأ نشرة الأخبار.. وظللت مدة أتمرن على الترجمة وكل ذلك أفادنى فى اللغة الإيطالية جدا.. إلى أن أصبحت مذيعا لنشرة الأخبار فى البرنامج الإيطالي ثم أصبح لى برنامجا خاص.. وفى الوقت ده كان محمد حسن الشجاعى موجود وكان معروف بأنه موسيقار كبير وأنه درس الموسيقى فى إيطاليا فى عام 1927م كما كان صديقا لسيد درويش وهو الذى قدم عبد الحليم حافظ والكثيرين من الفنانين.. المهم.. أنا من خلال اللغة الإيطالية ومن خلال الدردشة مع الشجاعى والمعرفة التى توطدت بيننا.. بدأت أعرف طريقى إلى الغناء..
[…] صراع المتاهات، وإقحام الأديان في السلوك البشري محطات مع صديقى سمير الاسكندرانى – يكتبها محمد غنيم محمد غنيم يكتب :الالتقاء الثقافي والحضاري بين الشعوب […]