فلسفة الجمال بعيون أنثوية

تأملات في مفهوم الجمال والمقدس

992

كتبت – سلوى ادريسي والي

في الفلسفات القديمة، ارتبط الجمال بفلسفة الكون واللاهوت، وهذا الأمر يبين لنا بكل وضوح أن الجمال ترجمة لمفهوم آخر وهو “المقدس”.

نعم، هناك علاقة وطيدة بين الجمال والمقدس، يمكنني أن ألمح معالمها في كل ما يدور حولنا من تمظهرات لهذا الجمال. فقد ربط الإنسان وما زال يربط الجمال بالشيء المتقن الصنع الذي يبلغ درجة الكمال، ولا علاقة له بالأحاسيس أو اللذة.

الجمال هو الظهور المادي المجسم للقدرة الخارقة لأي صانع، وهذا راجع إلى الجذور التاريخية لهذا المفهوم وكيف كان يُتصور. فمثلاً، المرأة الفاتنة تشير إلى الكمال، والمرأة القبيحة تشير إلى الساحرات أو الشيطان. البناية ذات الهندسة المثالية تشير إلى الذوق العالي، والبناية الخربة تشير إلى بيوت الجن والأرواح الشريرة.

حتى الطبيعة لم تسلم من تلك التصنيفات. فمثلاً، الزهور الملونة تعبر عن الجمال، والنباتات الشوكية تعبر عن القبح.

مفهوم الله والشيطان يؤثران بشكل لافت على مفهوم الجمال. بل إن الأضداد في كل شيء تجد جزءاً منها يشير إلى الله، والجزء الآخر يشير إلى الشر.

النهار والليل، رغم تراكم المعارف حول ماهيتهما وكيفية حدوث هذه الظواهر الكونية، ستجد أن أغلب البشر يشعرون بأحاسيس مختلفة تجاه الليل، رغم أن كل الأشياء التي أشرقت عليها الشمس هي نفسها التي ستغرب عليها. لن يتزحزح شيء منها من مكانه أبداً. فالحديقة العمومية في النهار هي نفسها في الليل: نفس الكراسي، نفس الأشجار، نفس الأرجوحة، نفس البوابة. لا شيء تغير سوى انعدام الرؤية بالنسبة لك، ففي مخيلتنا كل شيء يغادر مكانه في الليل، حتى الأرواح لم تسلم من هذا المعتقد.

أما بالنسبة للضوء أو النهار، فهو يدل مباشرة على الخير والجمال ويرتبط مباشرة بمصدر النور الكامل والمقدس.

حتى بالنسبة للألوان يتم التفريق بينها، فعند البشر تدل البشرة السوداء غالباً على القبح الذي يرتبط بالظلمة الذي يرتبط بالشر الذي يرتبط بالشيطان الذي يرتبط بالجحيم.

إنها سلسلة متشابكة لا تفرقها سوى كلمات ظاهرياً تبدو مختلفة، لكن عند التأمل فيها تكتشف أنها نفس الشيء.

إذن ما هو الجمال يا سادة!

هل هو فعلاً إحساس وشعور باللذة كما وصفه بعض الفلاسفة، أم أنه شكل مادي جميل لذاته؟

لم أقتنع أبداً بكل تلك التعاريف التي شرحت مفهوم الجمال من الفلسفة اليونانية إلى العصر الحديث، إلا إذا فاتني شيء لم تتح لي الفرصة للاطلاع عليه.

في نظري، الجمال هو كل شيء مادي تلتقطه العين، وهو كل شيء معنوي تلتقطه الحواس.

بمعنى، ليس هناك أي فرق بين الجميل والقبيح.

في نظري، وجود أسد بشعر كثيف في الرأس يميزه هو نفسه وجود أنف مسطح لخنزير.

صوت زقزقة العصافير هو نفسه صوت البومة.

شعورك بالغضب هو نفسه شعورك بالارتياح.

إنها فقط مظاهر متنوعة تشكل وجودك، كأي تنوع آخر لا تلقي له بالاً، لأنه لا ينتمي إليك.

وجود خراف تتناطح قد يشعرك ببعض المتعة، أو قد تمر عليه مرور الكرام دون أن تسأل: من الظالم ومن المظلوم؟ من الفائز ومن المهزوم؟ من الحاكم ومن هو العبد؟

نفس الأسئلة ستجيب عنها بسرعة الضوء إذا تعلق الأمر برجلين يتصارعان في السوق. ويا للحماس إذا كان طرف من الأطراف من شيعتك أو من عدوك.

هذه الأمثلة أطرحها لتكتمل لديكم الصورة، ولا يكون هناك أي لبس في فهم معنى الجمال بجميع متعلقاته.

كل شيء داخل المنظومة الإنسانية مؤدلج، علمنا أم لم نعلم، رضينا أم لم نرضَ.

جميعنا وبدون استثناء نضع صناديق فوق رؤوسنا تؤطر العقل ولا تترك له المجال لإعادة تشكيل المفاهيم دون الاعتماد على المسميات ودلالاتها.

والتاريخ يثبت أن الكلمات مثل طبقات الأرض المتراصة، مهما حاولنا لن نستطيع الوصول لأول طبقة شكلت كوكبنا الأزرق.

وهذا بالتحديد هو ما حاولت طرحه في هذا المقال.

كاتبة مغربية
اقرأ أيضا:
“تحول دور المرأة: من القيود الفسيولوجية إلى التحرر في عصر الرجل الآلي”
من رسم العيون إلى رسم الكلمات: قصة شغف سلوى إدريسي بالكتابة

Visited 35 times, 1 visit(s) today

التعليقات متوقفه