فيلم “حياة الماعز”: ملحمة إنسانية ترصد معاناة الفقراء في الغربة

1٬479

بقلم الناقد .. خالد محمود

الغربة تجربة معقدة، تحمل في طياتها مشاعر متناقضة من الأمل والضياع، خاصة عندما تكون مقرونة بالفقر والاضطهاد.

فيلم “حياة الماعز” يقدّم صورة مؤلمة للواقع الذي يعيشه آلاف العمال المهاجرين الذين يغادرون أوطانهم بحثًا عن حياة أفضل، ليجدوا أنفسهم في مواجهة ظروف قاسية وغير إنسانية.

هذه القصة المستوحاة من أحداث حقيقية تضع المشاهد في قلب معاناة هؤلاء العمال، وتكشف عن عمق الجرح الذي يسببه الاغتراب القسري.

نبذة عن حياة الماعز

حياة الماعز” هو إنتاج سينمائي مشترك بين الهند والولايات المتحدة، مستوحى من رواية “أيام الماعز” للكاتب بنيامين. الرواية، التي حققت نجاحًا كبيرًا، تسرد قصة نجيب، عامل مهاجر من ولاية كيرالا الهندية، الذي وقع ضحية لاستغلال نظام الكفالة في المملكة العربية السعودية. الفيلم، الذي يشارك في بطولته عدد من النجوم البارزين مثل بريثفيراج سوكوماران و‌جيمي جان-لويس، يعرض رحلة نجيب الطويلة والمضنية في محاولة للبقاء على قيد الحياة وسط الصحراء السعودية.

البداية: حلم يتحول إلى كابوس

تبدأ القصة بآمال كبيرة يحملها نجيب عندما يترك وطنه الهندي، بعد أن رهن منزله وباع ممتلكاته، ليحصل على تأشيرة عمل في المملكة العربية السعودية.

الحلم بحياة أفضل سرعان ما يتحول إلى كابوس عندما يقع نجيب وصديقه حكيم في فخ نصبه لهما رجل سعودي قاسي الطباع، يدّعي أنه كفيلهما.

يُقتاد نجيب إلى مزرعة نائية في قلب الصحراء، حيث يواجه ظروفًا قاسية ومعاملة مهينة تجرده من كرامته الإنسانية.

الحياة في الصحراء: معاناة وعزلة

يُجبر نجيب على العيش في الصحراء كرعاية للماعز، محاطًا بالوحشة والحرمان. على مدار ثلاث سنوات، يتحول نجيب من إنسانٍ لديه أحلام وطموحات إلى شخص يكاد يفقد القدرة على الكلام والتفكير.

يعيش حياة الماعز بكل ما تحمل الكلمة من معنى، يتأقلم مع البيئة التي فُرضت عليه، ويجد نفسه مضطرًا للعيش بين الحيوانات التي يرعاها، يأكل من طعامها ويصدر أصواتها. هذه المعاناة تجعله يفقد ذاته تدريجيًا، ويعيش في حالة من اليأس المطلق.

رحلة الهروب: أمل وسط الصحراء

 

تزداد الأمور تعقيدًا عندما يلتقي نجيب مجددًا بصديقه حكيم، الذي يعيش نفس الظروف القاسية. برفقة شخص آخر يُدعى إبراهيم، يقرر الثلاثة الهروب من هذا الجحيم.

تبدأ رحلتهم عبر الصحراء، مليئة بالمخاطر والتحديات، حيث يواجهون حرارة الشمس الحارقة، والجوع، والعطش.

لكن الأمل في الحرية يدفعهم للمضي قدمًا، رغم المصاعب التي تنتهي بموت حكيم وإختفاء إبراهيم في عاصفة رملية، بينما يصل نجيب إلى الطريق الرئيسي في حالة من الإنهاك الشديد، على وشك الهلاك.

النجاة والعودة إلى الوطن

بعد معاناة طويلة، يجد نجيب نفسه أخيرًا في المدينة، حيث يتلقى مساعدة من أحد المارة الذين ينقذونه من الموت.

يُنقل إلى السلطات، التي تتعامل معه كعامل هارب دون معرفة حقيقته، ويجد نفسه مجددًا في مواجهة مع خاطفه الذي يُخبره بلا مبالاة أنه كان سيعيده إلى الصحراء لو كان على كفالته.

يدرك نجيب حينها أنه كان ضحية اختطاف، وأنه لم يكن تحت حماية أي كفيل.

بعد ثلاثة أشهر من السجن، يتم ترحيله إلى الهند، حيث يعود إلى أسرته محطمًا جسديًا ونفسيًا.

النهاية: قصة نجيب ليست فردية

يختتم الفيلم برسالة مؤثرة تكشف عن أن تجربة نجيب ليست استثناءً، بل هي واقع يعيشه آلاف العمال المهاجرين الذين يتعرضون للاستغلال والانتهاكات في ظل نظام الكفالة.

فيلم حياة الماعز يسلط الضوء على الظلم والتمييز الذي يتعرض له هؤلاء العمال، ويطرح تساؤلات حول الإنسانية والعدالة وحقوق العمال.

الاغتراب والفقر: مأساة العمال المهاجرين

يُعد فيلم “حياة الماعز” شهادة حيّة على معاناة الفقراء الذين يضطرون إلى مغادرة أوطانهم بحثًا عن لقمة العيش.

الفيلم يصور بواقعية قاسية كيف يمكن أن تتحول الغربة إلى سجن مفتوح، حيث يجد المغترب نفسه محاصرًا بين الفقر والاستغلال والعزلة. هذه القصة تمثل صرخة من أجل العدالة، ودعوة للتفكير في المصير الذي يواجهه الملايين من العمال المهاجرين حول العالم.

“حياة الماعز” ليس مجرد فيلم عن نجيب أو عن العمال في السعودية، بل هو عمل فني يطرح قضايا إنسانية عميقة تتعلق بحقوق الإنسان، وظروف العمل، والاستغلال.

إنه دعوة للعالم بأسره للتفكير في مصير هؤلاء المغتربين الذين يضحون بكل شيء من أجل حياة أفضل، ليجدوا أنفسهم في النهاية محاصرين في دائرة لا تنتهي من الظلم والمعاناة.

الفيلم يذكرنا بأننا جميعًا نتحمل مسؤولية حماية حقوق الآخرين والدفاع عن الكرامة الإنسانية، أينما كنا.

 

Visited 137 times, 1 visit(s) today

التعليقات متوقفه