احتجاجات واسعة في تركيا ضد العنف القائم على النوع الاجتماعي تجبر أردوغان على التحرك
كتبت- بريجيت محمد
شهدت تركيا في الآونة الأخيرة موجة احتجاجات عارمة اجتاحت المدن الكبرى والشبكات الاجتماعية، تحت شعار “İstanbul sözleşmesi yaşatır” (اتفاقية إسطنبول تنقذ الأرواح). قاد هذه الاحتجاجات مواطنون شباب، معظمهم من النساء، للتعبير عن سخطهم تجاه الحكومة التي يرونها غير فعّالة في مواجهة العنف القائم على النوع الاجتماعي. وقد نال الحراك دعمًا واسعًا من شرائح المجتمع المختلفة، بما في ذلك سياسيون ومشاهير. استجابةً لذلك، اضطر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى التعهد بإجراء إصلاحات قضائية وتشديد العقوبات لضمان حماية أكبر للنساء.
الإفلات من العقاب وعواقب الإفراج المبكر
في كلمته أمام البرلمان، أشار أردوغان إلى مشكلة الإفراج المبكر عن المدانين، مما يساهم في تعريض النساء لخطر متزايد.
قال أردوغان: “يزعجنا أن نرى مجرمين لديهم عشرات السجلات الجنائية يتجولون بحرية”. جاءت تصريحاته بعد عدة جرائم هزت تركيا، من بينها جريمة قتل بشعة ارتكبها شاب يبلغ من العمر 19 عامًا ينتمي إلى حركة “إنسيل” المعادية للنساء على الإنترنت، حيث قتل فتاتين في إسطنبول وقطع رأس إحداهما. الشاب كان معروفًا لدى الشرطة، لكنه كان قد ترك العلاج النفسي قبل ارتكاب الجريمة.
ارتفاع عدد القتلى وتفاقم الوضع
الأحداث الدموية لم تتوقف عند هذه الجريمة. في سبتمبر/أيلول، قتلت شرطية على يد رجل له سجل جنائي طويل، كما شهدت تركيا حالة اغتصاب جماعي لشابة أخرى من قبل رجال لهم تاريخ من الجرائم.
منذ بداية عام 2024، قتل 317 امرأة في تركيا، وهو رقم يتماشى مع المعدلات المرتفعة التي شهدتها السنوات الخمس الماضية، حيث يُقتل أكثر من 400 امرأة سنويًا على يد رجال عنيفين.
اتفاقية إسطنبول وتراجع تركيا عن التزامها
أعادت هذه الجرائم فتح النقاش حول انسحاب تركيا من اتفاقية إسطنبول لمكافحة العنف ضد المرأة في عام 2021. كانت تركيا أول دولة توقع على الاتفاقية في عام 2012، ولكن في عام 2021، أعلنت انسحابها بحجة أن الاتفاقية “تطبع المثلية الجنسية” ولا تتوافق مع القيم الاجتماعية والعائلية في تركيا.
رغم ذلك، يطالب المحتجون بتطبيق القانون الوطني رقم 6284، الذي من المفترض أن يضمن حماية كافية للنساء إذا تم تنفيذه بشكل صحيح.
التحدي الاجتماعي والديني
ترى الناشطة في حقوق المرأة والمحامية هوليا جولبهار أن القانون 6284 يمكن أن يكون كافيًا لمكافحة العنف، لكن المشكلة تكمن في “إفلات الدولة المنهجي من العقاب”.
وترى أن الحكومة، بتواطؤ غير مباشر، قد أسهمت في ترسيخ ثقافة تقبل العنف ضد المرأة. منذ توليه السلطة في عام 2003، قاد أردوغان المجتمع التركي نحو المزيد من التوجهات الدينية والتقليدية، مما أدى إلى تآكل المبادئ العلمانية وتقييد الحريات المدنية، وخاصة حقوق المرأة.
احتجاجات ومطالبات بالتغيير
المتظاهرون في تركيا اليوم يرفعون أصواتهم ليس فقط ضد العنف القائم على النوع الاجتماعي، بل أيضًا ضد سياسات دولة يرون أنها تقاعست في حماية النساء.
يطالبون بتشديد العقوبات وضمان تطبيق القوانين بشكل صارم لحماية حقوق النساء والمساهمة في تغيير الواقع الاجتماعي والجنائي في تركيا.
خاتمة
باتت قضية العنف ضد المرأة في تركيا قضية رأي عام، وقد أجبرت الاحتجاجات الأخيرة الرئيس أردوغان على التدخل وإعادة النظر في السياسات القضائية المتعلقة بهذا الملف.
مع استمرار الضغط الشعبي، يبقى السؤال: هل ستتمكن تركيا من تحقيق تغيير جذري يحمي المرأة ويضع حدًا للعنف الذي طالما أرهق المجتمع التركي؟
التعليقات متوقفه