“مايكل أنجلو والطوفان العالمي: رموز خفية وحتمية الموت”
كتبت – سارة غنيم
لا تزال لوحة “الطوفان العالمي” لمايكل أنجلو، التي تزين سقف كنيسة سيستين، تحتفظ بأسرارها رغم مرور أكثر من 500 عام على رسمها. ويبدو أن هذا العمل الفني العملاق يحتوي على تفاصيل طبية خفية تعكس براعة مايكل أنجلو في التشريح، وقد يكون من ضمنها تمثيل لامرأة تظهر عليها علامات إصابة بسرطان الثدي، وفقًا لدراسة نُشرت حديثًا في مجلة The Breast.
دراسة تحليلية للوحة تكشف ملامح مرضية
قام فريق بحثي من جامعة باريس ساكلاي بدراسة اللوحة، ولفت انتباههم شخصية نسائية شبه عارية ترتدي عباءة زرقاء ووشاحاً، حيث لوحظت علامات لمرض سرطان الثدي على جسمها.
وأوضح أندرياس نيرليش، رئيس الفريق البحثي، أن الثدي الأيسر لهذه المرأة يظهر علامات واضحة تتوافق مع تشوهات الحلمة وانتفاخات شبيهة بكتلة مرضية، بينما يبدو الثدي الأيمن طبيعياً، مما يشير إلى التباين الواضح بين الثديين.
وأشار نيرليش إلى “تراجع واضح في جلد الحلمة ووجود ندبة غائرة”، وهو ما يتطابق مع ما يمكن رؤيته لدى مرضى سرطان الثدي.
آراء متباينة حول صحة التشخيص وواقعية التمثيل الفني
واجهت هذه الأطروحة بعض المعارضة التي تشير إلى صعوبة تصوير مرض مثل سرطان الثدي لدى امرأة شابة في ذلك العصر، حيث كان متوسط العمر المتوقع لا يتجاوز 35 عامًا.
ومع ذلك، يرى الباحثون أن مايكل أنجلو، الذي كان يملك معرفة متقدمة في التشريح منذ شبابه، قد شاهد آثار هذا المرض مباشرة، وهو ما جعله يجسدها في فنه.
ورغم أن غالبية النساء اللواتي يعانين من سرطان الثدي اليوم تجاوزن سن الخمسين، فإن توقعات العمر والمعرفة الطبية تختلف عن تلك التي كانت سائدة في عصر النهضة.
رسالة مايكل أنجلو الخفية: بين التشريح والرمزية
يشير الباحثون إلى أن مايكل أنجلو ربما أراد إيصال رسالة رمزية تتعلق بحتمية الموت وصراعات الإنسان، حيث يرتبط تصوير الطوفان بمشاهد تعكس خطايا البشر. فكما أشار تحليل ديلي ميل، فإن “الدليل المرضي” يتماشى مع معانٍ لاهوتية عميقة، قد تكون جزءاً من تصوير الحياة والموت.
ويظهر في اللوحة عدة شخصيات تجسد الخطايا السبع المميتة، مثل رجل يحمل برميلاً (الشراهة والكسل)، وآخرين يتجادلون على متن قارب (الغضب)، وامرأة متمسكة بممتلكاتها (الجشع).
وبحسب الفريق البحثي، ومن ضمنهم الباحثة الإيطالية رافاييلا بيانوتشي، فقد تكون إصابة المرأة بسرطان الثدي في اللوحة بمثابة عقاب على الشهوة، في سياق رؤية مايكل أنجلو الأفلاطونية الجديدة، حيث يعكس الجمال والانسجام الخلود، بينما يشير التشوه أو المرض إلى الهلاك الروحي.
مايكل أنجلو والعلاقة بين الفن والتشريح
ببراعة فائقة ومهارة فنية، يجسد مايكل أنجلو ارتباط الجسد بالروح، مستخدماً علم التشريح والفن لإيصال رسائل فلسفية عميقة حول الحياة والموت. ويظل عمله هذا جزءاً من إبداع لا يضاهى، إذ يجسد في خطوطه وألوانه رسالة قد لا تنتهي تأويلاتها مع الزمن.