“نحو فهم متجدد للدين: بين الرسالة الإلهية والتأويلات البشرية”

0 146

كتبت:بريجيت محمد

إن الدين، باعتباره نظامًا روحانيًا وأخلاقيًا، له عمق أكبر من أن يُختصر في تأويلات ضيقة أو تفسيرات جامدة.

 لا شك أن الشريعة الإسلامية قد أُرسلت لنتعارف لتكون هداية للبشرية جمعاء، ولتدعو إلى السلام والمساواة  والتفكر والتدبر وليس للقتل .

 ومع ذلك، يظل الفهم البشري للدين متأثرًا بالزمن والمكان والظروف الثقافية التي تحيط به. وهذا الفهم يمكن أن يتراوح بين الفهم الصادق والعمق الروحي، وبين الفهم السطحي المدفوع بالأيديولوجيات والموروثات التي لا تواكب تطور الفهم المعاصر.

لقد شهدت الإنسانية العديد من الفترات التي تم فيها تفسير الدين وفقًا لأهواء البشر ومصالحهم السياسية أو الاجتماعية. فالعقل البشري، في سعيه لتفكيك معاني النصوص المقدسة، قد يراها من منظور يقتصر على فترة زمنية معينة، دون محاولة للفهم الأعمق للرسالة التي جاء بها الدين. وعلى الرغم من أن الدين يُعد مرشدًا أخلاقيًا شاملاً، إلا أن تفسيره لا يجب أن يتحول إلى آلية لتبرير العنف أو القمع أو التمييز ضد الآخرين.

على سبيل المثال، عندما نتحدث عن مسألة القتال في الإسلام أو حقوق النساء، لا يُمكن اختزال الرسالة التي جاء بها الدين في أمور سطحية أو متشددة.

فالدين في جوهره يحمل رسائل عن الرحمة والتفاهم بين البشر، وهو بعيد عن الفهم الذي يربط الدين بالعنف أو الاستبداد.

وإذا نظرنا إلى النصوص الدينية من منظور تجديدي، نجد أن هناك فسحة للتأويل الذي يواكب تطور الوعي الإنساني، ويسهم في تقديم حلول تتماشى مع القيم العالمية اليوم.

وعندما نتأمل في المسائل المتعلقة بالإيمان، نجد أن الدين لا يدعو إلى فرض الإيمان بالقوة. فالفكر الديني الحقيقي يؤكد على حرية الاختيار، ويعتبر الإكراه في الدين مسألة غير مقبولة. فالاختلاف في العقيدة هو جزء من طبيعة الحياة البشرية، ولا يُمكن لأي دين حقيقي أن يُكرِّس ثقافة الإكراه أو التهديد لمن يختلف معه.

 تلك المعتقدات السائدة التي تُحاول تبرير القمع الفكري أو العقابي باسم الدين، هي مجرد تأويلات خاطئة بعيدة عن الجوهر الحقيقي للرسالة .ولذلك يجب ان نفرق بين الدين والدولة الدينية.

أما فيما يتعلق بالحديث عن السنة النبوية، فإنها تُعتبر بمثابة توجيه عملي لما جاء في القرآن الكريم، لكنها ليست مكمِّلة له بالمعنى الذي يَفترض أن القرآن وحده لا يكفي. إن القرآن هو المصدر الأول والأسمى، والسنة تُعتبر تفسيرا عمليًا لما ورد فيه وما يتفق معه.

الفهم الذي يسعى إلى جعل السنة مساوية أو أسمى من القرآن، يحدّ من القدرة على التفكير النقدي ويُغلق باب التفسير المُتجدِّد.

نحن عندما نتحدث عن معجزات النبي محمد صلى الله عليه وسلم، نجد أن العديد من القصص التي تُحكى حوله قد تكون أحيانًا محملة بالرمزية والدلالات التي تعكس قيمًا أخلاقية وروحية، لا سيما في سياق الزمن الذي وُجد فيه النبي. اذا لا ينبغي أن يُنظر إلى هذه القصص بشكل حرفي، بل يجب أن تُفهم في إطار الرسالة الكبرى التي سعى إلى تبليغها.

ومن هذا المنطلق يمكننا النظر إلى مفهوم الجنة والنار في الإسلام ليس من منظور ضيق يُحدد أهل الجنة بشكل قسري، بل من منظور إنساني أوسع يعترف بتعدد الطرق إلى الحق.

إن الدين يدعو إلى الأعمال الصالحة والتقوى، ويُعلمنا أن الخلاص ليس محصورًا في مجموعة معينة من الناس بل هو حق للجميع من آمنوا وعملوا صالحًا.

يكمن هذا التحدي في الخروج من أسر الفهم التراثي الساكن، والانفتاح على رؤية أوسع وأعمق للدين. الدين، كرسالة إلهية، يظل مرشدًا للبشرية نحو القيم العظيمة من عدل ورحمة وسلام، لكن علينا أن نبتعد عن التأويلات الموروثة التي تساهم في تضييق الفهم وتدمير التعايش السلمي بين البشر.

ان الفهم العميق للدين يتطلب أن نتجاوز العادات والتقاليد التي قد تَخدم مصالح معينة، وأن نتوجه نحو تسامح حقيقي واحترام متبادل بين جميع البشر.

اقرأ أيضا:
من نصدق: العلم أم كهنة الأديان؟ بحث فلسفي في التناقض والتكامل

Visited 41 times, 1 visit(s) today
اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق