روسيا وخطة التوسع السرية: الهيمنة على الجمهوريات السوفيتية السابقة وترسيخ السيطرة على الكتلة الأوراسية

أرمينيا وكازاخستان تنأيان بأنفسهما عن موسكو.. هل بدأ تفكك النفوذ الروسي؟

0 219

كتبت :سارة غنيم

تسعى روسيا إلى إعادة رسم المشهد الجيوسياسي العالمي عبر مشروع طموح يهدف إلى إنشاء كتلة تجارية أوروبية آسيوية قادرة على مواجهة الهيمنة الغربية. فوفقًا لوثيقة مسربة من الكرملين، كشفت عنها صحيفة فاينانشيال تايمز خلال جلسة استراتيجية عُقدت في أبريل 2024، تعمل موسكو على بناء “منطقة كلية” تجارية، لا تقتصر على تعزيز دورها الاقتصادي، بل تمتد إلى توسيع نفوذها الأيديولوجي أيضًا.

المخطط الروسي يستهدف الجمهوريات السوفيتية السابقة ودول “الجنوب العالمي”، بهدف تأمين الوصول إلى الموارد الطبيعية، وتعزيز العلاقات الاقتصادية، وتطوير البنية التحتية مع الدول الرئيسية.

يأتي هذا المشروع في وقت تواجه فيه موسكو تحديات متزايدة بسبب الحرب في أوكرانيا، والتي دفعت العديد من الدول المجاورة إلى إعادة النظر في علاقاتها مع روسيا والتوجه نحو الغرب.

المنطقة الأوروبية الآسيوية الكلية: طموح اقتصادي وأيديولوجي

تسعى روسيا إلى إنشاء تحالف تجاري يستند إلى صادرات الطاقة والموارد الطبيعية، ليكون منافسًا للتكتلات الاقتصادية الكبرى مثل الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والصين، التي تعد شريكًا استراتيجيًا لكنها في الوقت ذاته منافس قوي. ووفقًا للرؤية المطروحة، لا تقتصر أهداف موسكو على الجانب الاقتصادي، بل تمتد إلى إعادة صياغة القواعد الاقتصادية العالمية، وفرض سياسة عقوبات جديدة تتماشى مع مصالحها.

ومع ذلك، شكّلت الحرب في أوكرانيا تحديًا لهذا المشروع، إذ أدت إلى تصدع النفوذ الروسي في محيطه الإقليمي، حيث باتت العديد من الجمهوريات السوفيتية السابقة أكثر انفتاحًا على الغرب، ساعيةً إلى تقليل اعتمادها على موسكو.

العقوبات الغربية وتأثيرها على النفوذ الروسي

أثّرت العقوبات الغربية بشدة على الاقتصاد الروسي، مما دفع بعض حلفاء موسكو التقليديين، لا سيما في آسيا الوسطى، إلى البحث عن أسواق بديلة. وبحسب الوثيقة المسربة، فقد لجأت بعض الدول إلى استغلال العقوبات المفروضة على روسيا كوسيلة ضغط للتفاوض على شروط اقتصادية أكثر فائدة، بينما تحوّلت أخرى إلى تعزيز ارتباطها بالاقتصاد العالمي وتقليل تبعيتها لموسكو.

كما أشارت فاينانشيال تايمز إلى أن بعض الدول الحليفة سابقًا لروسيا استخدمت العقوبات كفرصة لتحسين اقتصاداتها، عبر فرض رسوم إضافية على المخاطر المرتبطة بالتحايل على العقوبات، ونقل بعض الصناعات بعيدًا عن روسيا، في خطوة تهدد نفوذها الإقليمي بشكل مباشر.

الجمهوريات السوفيتية السابقة: انقسامات متزايدة

رغم محاولات موسكو الحفاظ على سيطرتها على الكتلة الأوراسية، تتزايد المؤشرات على تفكك هذا النفوذ. فقد أعلنت أرمينيا في يونيو 2024 انسحابها من منظمة معاهدة الأمن الجماعي، ووقعت اتفاقيات تعاون اقتصادي وعسكري مع الولايات المتحدة، بينما أظهرت كازاخستان، أحد أقوى حلفاء روسيا سابقًا، موقفًا أكثر استقلالية عبر إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا.

وفي المقابل، تبقى بيلاروس استثناءً نادرًا، إذ تظل حليفًا وثيقًا لموسكو، رغم الضغوط الدولية المتزايدة عليها. إلا أن هذا التحالف ليس بمنأى عن التحديات، حيث تواجه بيلاروس ضغوطًا متزايدة قد تؤثر على استقرار العلاقة مع الكرملين.

مستقبل المشروع الروسي

رغم العقوبات والعزلة المتزايدة، لا يبدو أن موسكو على استعداد للتخلي عن طموحاتها في بناء كتلة أوراسية كبرى. غير أن التطورات السياسية والاقتصادية الأخيرة تشير إلى أن هذا المسار محفوف بالعقبات، وسط تراجع تأثير روسيا في محيطها الإقليمي وارتفاع التكلفة السياسية والاقتصادية لاستمرار هذا المشروع.

Visited 8 times, 1 visit(s) today
اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق