«أخر حوار مع الراحل ».. العبقري المخرج العظيم شادي عبدالسلام ……
«أخر حوار مع الراحل ».. العبقري المخرج العظيم شادي عبدالسلام ……
كتب : محمد غنيم .
كنت قد اتصلت بالمخرج العبقري شادى عبد السلام وهو يعالج في المستشفى بسويسرا 8 اغسطس 1986 ودار بيننا هذا الحوار:
– الو
– الو
– كيف حالك أيها الباحث عن التاريخ الغائب وعن الهوية و الجذور …
– بخير – من معى؟
– واحد من جنودك ياسيدى ” واخبرته من أنا ”
“ضحك بوهن وقال : اريد ان أراك – أين انت الان؟”
– في الكومو “مدينة إيطالية ”
– وانا هنا بجوارك في سويسرا
– متى ستخرج من المستشفى ؟
– بعد عدة أيام
– اذا سوف انتظرك هنا في الكومو لتقضى فترة نقاهة
– اعدك ان نلتقى ولكنى سوف اذهب الى الاكاديمية في روما وبعدها سوف اعود لمصر .
– وكم يوما تقضيها في القاهرة ؟
– حوالى أسبوع وسوف اتصل بك ونلتقى فأنا في شوق لرؤياك !
– وانا كذلك أيها المبدع – أتمنى ان نلتقى قريبا.
– ان شاء الله
انتهت المكالمة – وبمجرد ان اقفلت الهاتف شعرت بانقباض في قلبي….
وذهب شادى ولم يعد فقد كان على موعد مع الموت في الثامن من أكتوبر عام 1986 رحمة الله عليه.
“لم ادري لماذا تذكرت هذا الحوار اليوم ” هل هو الحنين للماضى والعودة معه الى أيام الزمن الجميل او لزمن الفن الذى ايقظ فينا الوعى الذى اعتبره أحد العوامل الأولى لرقي الدول وتغذية الروح والعقل . ام لأنني صحوت وانا أردد تلك الكلمات (التي استهل بها فيلمه المومياء ) « يا من تذهب سوف تعود – يا من تنام سوف تصحو – يا من تمضي سوف تبعث فالمجد لك، للسماء وشموخها، للأرض وعرضها، للبحار وعمقها، يوم أن تُحصى السنون »..
فكان لا بد لى ان ابحث عن شاديات الفن الخالد فوجدت الشادى يقول عن فيلم المومياء بدأتُ تصويره في وقت حزين جداً بعد النكسة بحوالي ثلاثة أشهر ، و بعد وفاة والدي بإسبوعين ، على الرغم من أنني كنت أعد الفيلم منذ عام 1963م ، و لقد وجدت في كتابة السيناريو راحة كبيرة في التعبير عن أفكاري و حينما حملت أدواتي إلى منطقة الأقصر حيث تعيش قبيلة (الحربات) التي يدور فيلم المومياء حول صراعها مع مكتشفي الآثار ، وجدت أن أحفاد القبيلة ما زالوا موجودين في قرية (القرنه) و عندما سار موكب التوابيت السينمائي أمام بيت قديم .. خرجت عجوز طاعنة في السن .. رأت جنازة الفراعنة تمر أمامها من جديد بعد هذا العمر الطويل ، فبكت ثم أغلقت بابها عليها حزناً و ماتت بعد أربعة أيام ، و قيل أنها زوجة ونيس بطل الحكاية ..
ويضيف الشادى لقد حدث شئ غريب آخر عندما مرت التوابيت بجوار معبد هابو بكى أطفال صغار و عندما سألوهم عن السبب جروا ، و لم يجب أحد .. لأنهم لم يكونوا يعرفوا السبب ..”
“المصيبة ان أصحاب الأيادي المرتعشة الجهلاء بالفن الراقى لم يتحمسوا لأفكاره – فقد ظل أحد موظفي الثقافة يُمنع الفيلم من العرض داخل مصر لسنوات طويلة بحجة أن الجمهور لا يألف تلك النوعية من الأفلام ، بينما كان يحصل في الخارج على ستة عشر جائزة عالمية .
ويضيف الشادى : لقد قلت لهم أيامها : إنه عمل فني متقن كما أتصور و نغمته السينمائية بسيطة و سهلة ، يستطيع المتفرج العادي المفطوم على التراهات و التفاهات أن يتعود على شئ جديد فيه دسامة ، و هو ليس لغزاً و ليس المقصود به التعالي على الناس ..
وصرخ الشادى العبقري رحمة الله ايامها قائلا :إنني آسف لبعض الأحكام المسبقة .. و كنت أنتظر منكم التشجيع و الكلمة الحُلوة ..
إنني آسف لأن نقاد العالم هللوا لهذا العمل الفني بينما أصواتكم في الداخل تتوقع فشل الفيلم .”
والخلاصة ان الشادى العبقري إذن لم يمت بعد بل : مات كل من لم يعرف قيمته الفنية ومكانته ومنزلته بين كبار المخرجين في العالم ، مات كل من لم يعطه حقه من مسؤولي ذلك الزمان معنويا وماديا عندما كان يصرخ تارة ويصرح تارة أخرى بما يتحمله من قهر وضيم وظلم سيظل حيا , والموت للصوص وأصحاب الفن الهابط ولكل أناني وانتهازي وجاهل !.
عمل شادى مساعد مخرج في فيلم «وإسلاماه» من إخراج أندرومارتون، والفيلم الإيطالي «الحضارة» مع المخرج الإيطالي الكبير روسيلليني،والفيلم الأمريكي «كليوباترا» لجوزيف مانكوفيتش.
قدم «عبد السلام» للسينما المصرية عدداً من الأفلام القصيرة الهامة ومنها «الفلاح الفصيح» في 1970 المأخوذ عن بردية فرعونية، وهي شكوى الفلاح الفصيح، وفاز فيلم «الفلاح الفصيح» بجائزة «السيدالك» في فينسيا .
وكان للراحل مشروع سينمائي كبير آخر بعد «المومياء»، وهو فيلم «إخناتون»، أو«مأساة البيت الكبير»، وظل يعيد كتابته عشر سنوات، وقام بإعداد تصميمات وديكورات الفيلم بالإضافة إلى الأزياء والإكسسوارات الخاصة بالفيلم، وقدمت له عدة عروض لإنتاج الفيلم ولكنه رفضها جميعا حيث كان يرفض المنطق التجاري من أساسه وسعى إلى أن تقوم وزارة الثقافة بإنتاج الفيلم الذي يتطلب تكلفة إنتاجية عالية لكن جهوده باءت بالفشل فقد خطفه الموت يوم 8 أكتوبر1986 ولم يكمل حلما اخر قبل أن يرى حلمه النور. سلام على روح العبقرى شادى عبد السلام فى الأولين وفى الآخرين.
للأسف دائمًا يهاجمون المبدع والمتفرد كي لا يظهر فشلهم وإخفاقهم..
مقال أكثر من رائع
[…] […]