ضمائر للإيجار

844

فلسطين – نجلاء جميل

رأينا الكثير منا قد تستبيح أركانه وخزات قاسية من شوكة الغربة ، وقرأنا الكثير عنها ، بل والبعض منا أخذت تلك الغربة  منه كل مأخذ ..

كغربة الأوطان التي نهشت بمخالبها أوتار البعض على مدى الزمن ، أو غربة الروح في الجسد ، وكأنها حرائق غزت فينا الوتد …

وقد تكون غربة الأماكن فينا ، أو غربة الأزمان علينا ، وقد تكون .. وتكون ..

ولكن ..ماذا لو كانت غربة الضمائر في الألباب ؟!

أيعقل أن يجتاح البشر غربة خاصة من نوعها ! ..غربة ضمائر عن آدميتها ، لتُفرغ البشرية من ماهيتها ، وتحارب الإنسانية فيما تبقى من معالم الإنسان بين أزقتها …

قد يلتقي الفكر مع الفكر ، في مواقع وأماكن متعددة ، وقد يلتقي البنان بخليله الحرف ، وقد تقوم المكارم بالدفاع عن أصولها لتتشبث بجذورها ،وتواصل تحدياتها ضد أعاصير الفساد بألوانه  ، فأضحت مجهدة الملامح بسبب سن قوانين الوجود الأقوى بين اللاآدميين ، وفرد عضلات الاستغلال ، ومحاربة الهدر الأخلاقي الذي بات كالضباب  يحيط أنفاسك ، أينما ولّيت وجهك ..

فأين تلك الضمائر الإنسانية، وأين نزعة الخير التي جُبل عليها البشر .. خارت قواها أمام تهديدات وهنة ، أكاذيب وافتراءات ، تبرأت منها كل أخلاق البشرية ..

وأين من كانوا يصيغون الشعارات، وكأنهم ملوك العرش ، فرضوا سطوتهم وذاع  سيطهم بالزور والبهتان ،  وأنهم حامون لفضاءات لوثتها أياد عابثة ، اتخذت من دواليب الأقنعة ستارا على أخاديدها السوداء والممتدة كأنها خيوط عنكبوت ، ولكنهم نسوا أن تلك الخيوط واهية ، وهنة ، تتوارى بمجرد أن تلامسها تلك الزفرات الصادقة والتي تبحث عن مأربها وحقيقة زيف أضحى كجيش يحارب  معاقل الإنسانية ..

هناك الكثير من المقومات قد تجمع البعض منا ، فننتقل إلى عوالم من الأفكار والمعتقدات ، والتقاليد ، ومبادئ مختلفة بين هذا وذاك ،  بالرغم من أن المبادئ لا تتجزأ أبدا.. ولكن …

تبقى للحمية الجاهلية مخالب تفتك بتلك العلاقات ، فكل فئة تميل لأترابها ولو كانت على باطل  ، وتتناسى أن هناك عامل مشترك في الخلق وهو نبض وضع في أرواحنا باسم الإنسانية ، بغض النظر عن دروب خفقانها ..

ضمائر صالت وجالت بين خفايا النفوس ،  فمنها من اغتيل سريان القاني فيها ، ومنها من تكبّلت معاصمها بين غياهب الليل ، وضمائر تم بيعها في مزاد الحجج الرخيصة ، وأُسقطت أوراقها فأصبحت عارية ، وخريفها عنها لا يزول ..

ويبقى الأشد وجعا ، وأحدّ كارثة من هؤلاء ، ألا وهو ضمائر مؤجرة .. نعم ضمائر تقبع تحت نظام العقد والإيجار حسب الأهواء ، تفترش من الأذى بالآخرين بساطا لها ، دون أن يهتز لها رمش .. من يدفع أكثر ، استفاد من إيجار تلك الضمائر أكثر ، لينثر سمّه بين رياض معالم نقاء الإنسانية ..

باتت الضمائر سلعة مباحة للشراء تارة ، وللإيجار تارة أخرى ، وكأنها دمية لها ثمن بحسب كل وقت يحين لاستغلالها …

بات الكون كساحة خذلان وحرب على المشاعر المقدسة، ومن يبيد تلك المكارم ، ويلغي تلك العقول ،و ينهش الشرف والسمعة ، ويزين الباطل ، ويغتال طهارة البتول ، ويجر أذياله تيها وتملقا ، ويشوه تلك المشاعر والنفوس ؛  ستكون له الغلبة وبجدارة في قانون الغابة البشرية ..

لكننا نعود ونقول أننا  على يقين بأن الغلبة ستكون لتلك الضمائر الحيّة حتى وإن طال المطاف ، تخور قواها حينا ، ويصيبها الوهن حينا ، ولكنها حتما سترفض أن تكون مستودعا مهترئا للإيجار وتأبى وبشدة أن تكون كبشَ الفداء لأفكار رجعية ، مسمومة الزفرات …

فبئس من كانت ضمائرهم للبيع وللإيجار ، وبئس من اصطفاهم ليكونوا حاشية له ..

ولكن إلى متى ستظل تلك الضمائر تحيا في اغتراب عن أوصال أجسادها ؟!

سؤال تصدعت منه جدران وأرصفة الحياة  في كل  زمان ..

فبئس من عاشت ضمائرهم باغتراب عنهم وكانت سلعة للبيع وللإيجار ..

Visited 3 times, 1 visit(s) today

التعليقات متوقفه