الجمهورية والعالم تحاور الشاعر والروائي الدكتور شريف صبري..
حوار د. أمل درويش.
بمبضع من حرير ينساب على ثنايا روحك كأنه باليرينا تتراقص على صفحة الماء، فتحتضن آثار خطواتها وتحتويها لتغرق في جمال التفاصيل، هكذا ينثر ضيفي أشعاره في فضاء الإبداع نجومًا تشرق فتحيل ليلنا نهارًا، وتزيح عن نفوسنا العناء.
وفي لحظة يتبدل الحال.. وتبتلعك كلماته في ثقب أسود لتعيش مغامرة تبحث فيها عن قاتل يرتدي وجه البراءة والجمال.
وبكل براعة يغلق دفاتره ومن بعدها يغلق جرحًا غائرًا وتنغمس تلك الأنامل التي سطرت أرق الأشعار في بركة دماء..
إنه الشاعر والروائي الدكتور شريف صبري.وكان لنا معه هذا الحوار الشيق المفعم بصدق الشعـور وخالـص الإحساس
ما هو الرابط الفريد الذي يجمع بين الطب والحياة العسكرية والأدب؟
ـ كل إنسان في حقيقته يحتوي على مجموعة من التناقضات التي تشكل شخصيته العامة وتلك المتناقضات هي ما تمنحنا تفردًا رائعًا يميزنا عن الآخرين. أنا أظن بأن الكتابة ولدت معي فكانت هي الأساس منذ نعومة أظافري وأنا أنجذب بشكل غريب إلى الكلمة وأنبهر بالمفردات وكانت لي تجارب مبكرة جدًا مع الحروف، ومع مرور الوقت وفي فترة المراهقة نضجت تلك التجارب بعض الشيء حتى التحقت بكلية الطب التي لم تمنعني الدراسة بها رغم كل صعوبتها من مواصلة الكتابة وكنت حينها مهتمًا بالنمط الغنائي وأذكر أنني كتبت أغنية في عام 1996م باسم ” راجع ” وتم تقديمها للاشتراك في مسابقة تنظمها إذاعة مونت كارلو وقد فازت حينها بالمركز الثاني على مستوى الوطن العربي، وبعد التخرج من كلية الطب التحقت بكلية الشرطة وتخرجت منها لأبدأ حياتي العملية كضابط طبيب بوزارة الداخلية المصرية، إذًا الطب والحياة العسكرية لم يقفا كعائقٍ أمام الكتابة إلا أنهما أجلا كثيرًا ممارستي لها بطريقة محترفة وليس كمجرد هواية.
تكتب عن الحب فتذيب القلوب، وتكتب عن الجريمة فتحير العقول ما هو السر برأيك؟
ـ حسنًا أنا ضد نظرية التخصص في الكتابة وأعارضها بشدة وأرى أن الكاتب الناجح الذي يمسك بقلمه جيدًا يجب أن يطرق كل الأبواب ويخوض جميع المجالات ولا يضع نفسه حكرًا على زاوية واحدة في الأدب، بدايتي كانت مع الشعر ولا يمكن أن أنسى ديواني الأول ” الحب الأزرق ” ثم ديواني الثاني ” توت ” كنت أناقش مشاعر الحب من وجهة نظر جديدة دون تحفظ أو خوف من واجهة تلك الأحاسيس التي توترنا وتجعل قلوبنا تخفق بطريقة مختلفة وبفضل الله وصلت كلماتي لقطاع كبير من الشباب الذين تفاعلوا معي بأسلوب رائع وكان الجميع يظن أنني سوف أكمل على هذا النهج لتأتي رواية ” أبناء الشيطان ” بمثابة الصدمة على جمهوري فاستغربوا التغير الكبير الذي سلكته خاصة وأنها رواية بوليسية ولكن الحبكة في هذه الرواية بالذات فتحت لي قطاعًا عريضًا وشريحة مختلفة من المتابعين ثم جاءت رواية ” سيلفي مع جثة أبي ” لتولد موجة جديدة من الدهشة بسبب موضوعها الغريب إلا أنها بفضل الله نجحت نجاحًا أذهلني أنا شخصيًا، وأخيرًا توجهت إلى كتابة السلاسل الشهرية وصدر لي سلسلة ” حارس جهنم ” ثم سلسلة ” عالم الفزع ” لأتمكن من خلال كل هذا أن أمزج بشكل شيق بين الكثير من المشاعر المتناقضة وعلى رأسها الحب والجريمة.
بماذا تفسر تنقلك بين الشعر والرواية والسلاسل الشهرية؟
ـ ربما يكون الأمر بحق مرهق جدًا خاصة مع طبيعة عملي كجراح عظام ولكن يجب أن أقول إن هذه التجارب المتنوعة جعلتني أمتلك بفضل الله مساحة أكبر من القراء وقطاع أشمل من المتابعين فمحبي الشعر يختلفون عن عاشقي الروايات وكلاهما يختلفون عن الفئة العمرية التي تتابع السلاسل الشهرية.
هل ترى أنك تكرر تجربة الدكتور أحمد خالد توفيق؟
ـ الدكتور أحمد خالد توفيق رحمه الله حالة فريدة في الأدب العربي ولقد شرفت بلقائه أكثر من مرة، وأرى أن بصمته سوف تبقى مؤثرة لعقود طويلة في مجتمعنا وبالطبع شرف لي أن يتم مقارنتي به من أكثر من ناقد أدبي كبير ربما بسبب أننا من أرباب مهنة الطب كما أنني سرت على خطاه في شخصية (أمير الوكيل) بطل سلسلة ” حارس جهنم ” والتي يقارنها الكثيرون بشخصية (أدهم صبري) في سلسلة ” رجل المستحيل ” ولكن على الرغم من كل هذا أقول إنه لا يزال أمامي الكثير والكثير كي يتم مقارنتي بهذا الرجل العظيم طيب الذكر.
للغموض والقصص البوليسية وهج خاص يخطف الألباب كيف وجدت تفاعل الجمهور؟
ـ ما لاحظته هو تغير الذوق العام بنسبة كبيرة خلال السنوات العشر الأخيرة حيث أصبح عدد القراء الذين يلهثون خلف الروايات البوليسية المثيرة وقصص الرعب يفوق عدد من يبحثون عن روايات الحب والقصص العاطفية، بالنسبة لي أحب أن أقدم في رواياتي مزيج مختلف من كل تلك المشاعر فمثلًا رواية ” 20 سبتمبر ” التي تصنف كرواية رعب بها كم هائل من الحب والرومانسية وكذلك الحال في رواية ” أبناء الشيطان ” البوليسية ورواية ” مذكرات أحمر شفاه ” التي تدور حول جريمة قتل بشعة يتخللها خليط من الأحاسيس والمشاعر.
لجأت أيضًا إلى الترجمة، فهل تحدثنا عن هذه التجربة؟
ـ الترجمة كانت كمقامرة في مسيرتي الأدبية وكما قلت سابقًا أنا من أنصار الأديب الشامل لذلك جازفت واقتحمت هذا المجال وكانت بدايتي مع رواية ” أنا أسطورة ” للمؤلف (ريتشارد ماسيثون) التي صنعت كفيلم شهير من بطولة النجم (ويل سميث) وهي رواية قديمة كتبت منذ أكثر من سبعين سنة ولذا كانت ترجمتها في غاية الصعوبة بسبب المصطلحات المعقدة والمفردات اللغوية القديمة التي استخدمها الكاتب وقد شدني إلى تلك الرواية بالتحديد وهو الاختلاف الشديد بينها وبين الفيلم الذي صُنع بناء عليها كما أنها صنفت كأول رواية في تاريخ الأدب الحديث تتحدث عن مصاصين الدماء والزومبي.
رواية ” رائحة الخوف ” هل كانت رؤية للمستقبل وما هو سر اختيارك للأحرف بدلًا من الأسماء للتعبير عن شخصيات الرواية؟
ـ رائحة الخوف من بين جميع رواياتي هي الأقرب إلى قلبي، وبالفعل أنا أرى أنها تمثل عجلة الحياة عندما تدور فتؤخر من بالأعلى إلى الأسفل وتصعد بمن في الأسفل إلى الأعلى بحكمة إلهية عجيبة وهي من الروايات التي قابلها الجمهور برد فعل رائع وأسعى الآن إلى ترجمتها لعدة لغات أجنبية، وبالنسبة لأسماء الشخصيات فقد اخترت أن أرمز لها بأحرف كي أبرز مدى البساطة التي خلقنا عليها نحن البشر قبل أن نختار طواعية أن نجعل من أنفسنا معقدين للغاية وغير قابلين للفهم.
ما هو الجديد الذي تعد به جمهورك؟
ـ أنا حاليًا أعمل في كذا اتجاه، فبخصوص مجال الرواية قريبًا سوف أنتهي من رواية جديدة باسم ” باونتي “، وبخصوص الشعر سوف يصدر لي ديوان جديد على مشارف العام القادم باسم ” أنا امرأة مطلقة “، وأخيرًا أعمل على موسوعة كبيرة ترصد السيرة الذاتية لأشهر القتلة المتسلسلين على مدار تاريخنا البشري وهي تتطلب جهدًا كبيرًا كي تنتهي وسوف تصدر على أجزاء منفصلة إن شاء الله.
هل ساهمت برامج التواصل الاجتماعي في دعم المبدعين أم أنها أضرتهم بدخول أنصاف الموهوبين مجال المنافسة؟
ـ وسائل التواصل الاجتماعي ليست هي المقياس الحقيقي للشهرة ولا مؤشر للموهبة بل هي تعبر عن مجرد أرقام غير حقيقية وبالفعل فتحت المجال أمام عدد ممن لا يملكون أي موهبة ويعتبرون أنفسهم نجومًا في مجال الكتابة وهي كلها فقاعات عارضة لا تلبث أن تنفجر وتتلاشى ويبقى الأدب الحقيقي محفوظًا بين دفات الكتب في أيادي القراء.
تنتشر معارض الكتاب في معظم العواصم العربية فكيف ترى الإقبال على القراءة بصفة عامة والقراءة الورقية بصفة خاصة؟
ـ على عكس ما يراه البعض أرى أن هناك جيلًا كاملًا يعود من جديد إلى الكتاب الورقي ويحب القراءة وينجذب إليها ولكن هناك دورًا مهمًا للأسرة والمجتمع والدولة كي تدعم هذا الجيل وتسهل له الحصول على الكتاب وتنمي لديه هواية القراءة بل وتساعد من يمتلكون موهبة الكتابة أيضًا.
رواية ” الرجل الذي مات ثلاث مرات ” لماذا لم تأخذ حقها إعلاميًا؟
ـ بالفعل هذه الرواية بالذات تعرضت للكثير من الظلم ولم يتم تقديمها بالشكل الذي يليق بها، ولكنني على يقين من أنها ستكون من النوع الذي يلقى ما يستحقه بعد سنوات وهذا حال الكثير من الروايات في عالمنا العربي لا يتم الترحيب بها فور صدورها ثم بعد سنوات يتناولها الناس بشكل مختلف.
هل يُمكن أن تقدم نصيحة حقيقية لمن يمتلكون موهبة الكتابة ويريدون دخول المجال باحترافية؟
ـ ليس هناك سوى نصيحة واحدة فقط أقولها لهم وهي اقرؤوا بنهم شديد اقرؤوا كل شيء وأي شيء فالقراءة هي أولى خطوات طريق الكتابة.
اقرأ أيضا:
إيمان الهاشمي تحلق في سماءالإبداع..الجمهورية والعالم تحاور أول سيدة تعزف وتلحن وتؤلف أوركسترا بالإمارات
بالفيديو .. إبداعات فنية بأنامل نسائية.. الجمهورية والعالم تحاور الفنانة أماني فكري
” جريدة الجمهورية والعالم ” تحاور الشاعرة والاديبة اللبنانية نسرين بلوط
التعليقات متوقفه