نشيدنا الوطني سيبقى رمزًا وتاريخًا

986

بقلم: أ.د/ جودة مبروك محمد

بعض الرموز اخترعها الإنسان لتعبر عن هويته ووطنيته، منها العلم والنشيد الوطني، ويأتي دورهما في الغالب في المناسبات الرسمية للدولة ويرتبط ببداية اليوم الدراسي للطلاب والمباريات الرياضية وغيرها، على سبيل أنها عنوان للهوية الوطنية وميثاق شرف تجاه الدولة، والمساس به جريمة وخيانة في جبين الوطن.

والفرق بين السلام الوطني والنشيد الوطني أن الأول عَزْفٌ موسيقيٌّ بدون كلمات، والثاني تصحب موسيقاه الكلمات.

وشهد النشيد الوطني المصري تغييرًا من فترة إلى أخرى حسب السياق السياسي والتاريخي، فأول نشيد عرفته مصر عام 1869م في عهد الخديوي إسماعيل، وتعود جمله الموسيقية إلى الإيطالي الشهير فيردي ((مؤلف أوبرا عايدة))، وهو عزف موسيقي بدون كلمات مصاحبة له، وقد تغيَّر في عام 1923م، فجاء النشيد من شعر الأديب مصطفى صادق الرافعي ((اسلمي يا مصر))، ولحَّنه صفر علي، ومطلعه:

اسْلَمِي يا مِصْرُ إنِّنَى الفدا   ذِى يَدِى إنْ مَدَّتِ الدّنيا يدا

أبدًا لنْ تَسْتَكِينى أبـــــدا      إنَّنى أَرْجُو مــع اليومِ غَدَا

وَمَعى قلبى وعَزْمى للجِهَاد   ولِقَلْبِى أنتِ بعدَ الدِّينِ دِيْن

وظلَّ أنشودة وطنية حتى عام 1936م، عندما قرر الملك فاروق الرجوع إلى النشيد الملكي القديم بألحان فيردي.

قامت ثورة يوليو 1952م وقام الضباط الأحرار بتبني كلمات كامل الشناوي ((كنت في صمتك مرغم)) وألحان عبد الوهاب، ومطلعه:

كنت في صمتك مرغـــم    كنت في صبرك مكــره

فتكلم…………. وتألم     وتعلم كيـــــــف تكره

ويتضح من كلماته صدى ثورة الضباط الأحرار وحماسته نحو تبديل الحكم في مصر إلى حكم الشعب وتحقيق الإرادة الوطنية.

ولكن استبدل في عام 1960 بنشيد ((والله زمان يا سلاحي)) لصلاح جاهين، نظرًا لأنه كان يتردد بكثرة في أثناء العدوان الثلاثي على مصر بغناء أم كلثوم، وواضح من كلماته الثورة والحرب والحشد، وهو النشيد الذي استعمله العراق ما بين 1965م و1980م، ومطلعه:

والله زمان يا سلاحي      اشتقت لك في كفاحي

انطق وقول أنا صاحي        يا حرب والله زمان

ومع دخول مصر عالم السلام طلب الرئيس السادات من الموسيقار عبد الوهاب إعادة توزيع لحن سيد درويش للكلمات ((بلادي بلادي لك حبي وفؤادي))، فهو من حيث الكلمات واللحن له تاريخ قديم، إذ تعود لمصطفى كامل في إحدى خطبه: ((بلادي بلادي لكِ حبي وفؤادي.. لكِ حياتي ووجودي، لكِ دمي، لكِ عقلي ولساني، لكِ لُبّي وجناني، فأنتِ أنتِ الحياة.. ولا حياة إلا بكِ يا مصر))، وقد اقتبسها منه الأديب محمد يونس القاضي، ولحنه سيد درويش، وقد تم اعتماده نشيدًا وطنيًّا لمصر عام 1979م.

قد يختلف النشيد من زمنٍ إلى زمنٍ، ولكن تبقى الوطنية المصرية ضميرًا حيًّا، ويبقى حب مصر تاجًا فوق الرؤوس، ويأتي تقديرنا لرمز بلدنا من أناشيد وأعلام مهما اختلفت وتغيرت؛ لأنها مصر، وما نراه في بعض إعلانات اليوم من اقتباس للموسيقى ووضع كلمات بديلة عن الأصلية لترويج بعض السلع على أساس من الدعاية لها، فأعتقد أنه إخلال بالواجب نحو رمز الوطنية المصرية، واستهانة برمز كان في يومٍ من الأيام يعبر عن ذاتنا. فقد تتغير الأناشيد الوطنية ولكن تبقى حيةً في ذاكرة التاريخ.

اقرأ أيضا
وما زال الفنان عبد الوارث عسر مرجعًا في فن الإلقاء

Visited 3 times, 1 visit(s) today
تعليق
  1. […] إن الحديث عن لغة آدم يتعين منه تحديد المكان والزمان، حتى يكون بوسعنا وضع تصور لهذه اللغة، فمهما كانت لغة آدم، العربية أو  العبرية أو السريانية… فلا يمكن بحالٍ أن تكون قد احتفظت بذاتها حتى الآن، فاللغة أيًّا كانت تمر بمراحل تطورٍ وتغيرٍ يشمل ألفاظها ومعانيها وتراكيبها، وهذا فاصل زمني طويل، يصعب أن تظل لغةٌ ما محتفظة بخصائصها إضافة إلى التغير الذي قد يحدث في الجهاز النطقي للإنسان عبر هذه الحقب الطويلة من الزمن، وما الحديث عن العربية من أنها ما زالت محفوظة حتى اليوم إنما هو لحفظ القرآن الكريم لها، فقد ساندتها عوامل دينية، أدت بها إلى أن تكون لغة حيةً، ورغم هذا حدث فيها تطور لا يخفى علينا أمره، إضافة إلى أن نحو أربعة عشر قرنًا من الزمان قياسًا إلى بدء البشرية يعد تاريخًا قصيرًا جدًّا. اقرأ للكاتب أيضا نشيدنا الوطني سيبقى رمزًا وتاريخًا […]

  2. […] نشيدنا الوطني سيبقى رمزًا وتاريخًا […]

التعليقات متوقفه