في ذكرى العاشر من رمضان رأس العش حكاية تحدي ومقاومة.

خير أجناد الأرض قد يخسر معركة لكنه يكسب الحرب..

719

كتبت – د. أمل درويش.

بعض الحكايات تبدأ من حيث النهاية، وبعضها لا تنتهي..

قصة كفاح من أجل البقاء، وكيف تكون الحياة دون كرامة؟

وكيف يمكنك أن تستمر وتبدو وكأنك طبيعي وقد فقدت جزءًا غاليًا من جسدك، اغتصبه محتل.. وانتقص من وجودك وأراق دماءك وبدا يزهو منتصرًا..

نعم الوطن هو الروح، هو عورتك التي لا تقبل لأحد أن يهتك سترها أو يقترب منها ويعبث بمقدراتها..

الوطن هو كرامتك، هو ماء وجهك الذي دونه لا حياة لك بعده..

لم تكن هزيمة ٦٧ الصخرة التي كسرت ظهر الجيش المصري، بل كانت الكبوة التي انطلقت منها شرارة الأمل لنشتعل بها عزيمة وإصرار كل جندي وكل مقاتل، بل كل مصري حر يعشق تراب وطنه، وعلى الرغم من انسحاب الجيش المصري من سيناء بعد هذه الهزيمة إلا أن الجنود حافظوا على رباطة الجأش ومثلوا ملحمة رائعة في الصمود والمقاومة في موقعة رأس العش في أول يوليو عام ٦٧..

حينما قامت جنود العدو بمحاولة دخول مدينة بور فؤاد التي تبقت بعد احتلالهم لكل سيناء، ولكن كان هناك ثلاثين مقاتلًا من الصاعقة بانتظارهم وقاوموا ببسالة وشجاعة فائقة رغم مرارة هزيمة الجيش، وكبدوا العدو خسائر فادحة حتى عادوا أدراجهم ولم يستطيعوا اقتحام المدينة الصامدة في معركة امتدت لسبع ساعات..

في يوم العاشر من رمضان الموافق للسادس من أكتوبر عام ٧٣ في الثانية ظهرًا.. آلاف الجنود اتفقوا على قلب رجل واحد، بللت جوفهم الصائم حروف الشهادة وانطلقوا عازمين على العودة بحق كل شهيد أريقت دماؤه على هذا التراب الطاهر..

ويعيدوا لمصر كرامتها، وهذه البقعة المباركة التي دنسها جنود العدو الغاشم،، هذا المغتصب الإسرائيلي الذي اعتاد اغتصاب الأراضي والاستيلاء عليها دون وجه حق، وكما فعلوا في أرض فلسطين، ظنوا لوهلةٍ أن أرض مصر سهلة يمكنهم دخولها بنفس السهولة وأن الجيش المصري سوف يستسلم وسيُمنى بالهزيمة كما حدث على أرض فلسطين في عام ٤٨

ولكن شتان بين جنود يقاتلون في غير أراضيهم دون قيادة منظمة وبين أسود وضعوا أرواحهم على رؤوس سلاحهم لتقاتل قبلهم وتعيد الوطن كاملًا متكاملًا..

لم تكن حرب ٧٣ معركة عادية دارت بين طرفين في زمن محدد، فقد كانت نتيجة حتمية لحرب استزاف دامت ست سنوات، فمنذ حرب “الستة أيام” كما أطلقوا عليها التي كانت مباغتة للجيش المصري في يونيو ٦٧ وضرب المطارات المصرية وطائرات الجيش قبل أن تحلق كان من السهل على العدو الإسرائيلي ضرب القوات البرية التي أصبحت مكشوفة لطيرانهم دون غطاء جوي يحميهم، وحدثت الهزيمة المؤلمة قبل حتى بداية المعركة..

كان انسحاب الجيش المصري من سيناء ضروريًا بعد توغل القوات الإسرائيلية ووصولهم حتى حدود الضفة الشرقية لقناة السويس..

ولم تتوقف غارات وطلعات الجنود المصريين البواسل طوال السنوات الستة في شكل فدائيين يتسللون إلى معسكرات الجيش الإسرائيلي ويفخخونها فتتفجر وتحيل سماء سيناء لقطعة من نار، حتى ضرب رصيف ميناء إيلات مرتين متتاليتين  في عامي ٦٩، ٧٠وأغرقت خلالهما المدمرة الشهيرة إيلات حينما تقدمت نحو مدينة بورسعيد..

ولا يمكن أن ننسى ما قامت به كتيبة الفريق أول عبدالمنعم رياض في مارس ٦٩ حين استطاعت تحطيم حصون كثيرة في خط بارليف واجتياز الكتيبة بأكملها لقناة السويس وعمل ضربات موجعة في صفوف الجيش الإسرائيلي، ومن بعدها نصب الكمين الشهير في “رأس العش” وهزيمتهم شر هزيمة..

تسببت هذه المعارك على مدار الأعوام الستة بخسائر فادحة واستنزاف لقوى الجيش الإسرائيلي، لتتوج بهذا اليوم العظيم الذي تحطمت فيه أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يُقهر، وتحطمت آمال إسرائيل في مد نفوذهم لعمل ما أطلقوا عليه “الحزام الأسود” الممتد من جنوب لبنان وأجزاء من سوريا وحتى قناة السويس وعمل خط بارليف آخر في غور الأردن لحماية المستعمرات، وتحويل سيناء إلى مركز تجارب للمفاعلات النورية، وبذلك تؤمن دولة إسرائيل المزعومة حدودها وتحميها من أي عدو..

ولكن تحطمت أسطورة خط بارليف بكل حصونه التي قيل عنها أنها أقوى حصون في العالم فبعدما استطاع المصريون تدمير الخط الأول عام ٦٩؛ شيد الإسرائيليون الخط الثاني أقوى وأكثر تعقيدًا حيث تألف من ٢٢ موقعًا حصينًا شيدت باستخدام قضبان السكك الحديدية وألواح الصلب مع أسلاك شائكة وحقول ألغام مضادة للدبابات بالإضافة لخزانات مواد حارقة كل ذلك يحميه ساتر ترابي ليعيق عبور أي قوات..

ولكن الجندي المصري استطاع بكل ذكاء تجهيز خطة محكمة لاجتياز هذا الخط باستخدام مضخات مياه قوية لفتح معبر للقوات..

وهكذا تم تتويج كل المعارك التي تمت في حرب الاستنزاف بهذا النصر المجيد الذي أعاد الفرحة لكل بيت مصري، بعد فترة مؤلمة من الترقب والحزن خيمت على البيوت..

ويتزامن الاحتفال هذا العام بحادثٍ مؤلم فقدت فيه مصر شبابًا من خيرة جنودها في كمين بئر العبد، وما زال نزيف الدم على أرض سيناء الطاهرة مستمرًا، ولكن العدو اختلف هذه المرة..

فقد كنا نحارب في السابق جيشًا واحدًا لعدو صهيوني نعرفه، ولكننا الآن نحارب شرذمة من عقول عفنة لا تحكمها سوى الشهوات، والرغبة في إراقة الدماء وللأسف يمارسون ذلك بدم بارد خلف ستار الدين..

فبأي دين تتحدثون؟

وبأي إسلام تدينون؟

ستبقى سيناء جزء لا يتجزأ من أرض مصر، ولن يكون جنود اليوم أقل بسالة من جنود الأمس..

Visited 7 times, 1 visit(s) today

التعليقات متوقفه