المرأة في الموروث الثقافي العربي والاسلامي

661

بقلم أ.د/ جودة مبروك محمد

تعد قضية المرأة حديثًا ومبحثًا مهمًّا في الثقافات المختلفة، ما بين ثقافة تعلو بالمرأة وتمنحها القوة بجوار الرجل، وتجعلها شريكًا له في الحياة ومقوماتها، وثقافة أخرى تحط من شأنها، وتحرمها من أبسط حقوقها، ومع هذا ينبغي التأمل وتحري الدقة خاصة فيما يعود إلى الموروثات الدينية والتراثية لصورتها، حيث إنها قد تحتاج إلى قدرٍ من حسن التأويل والفهم الخاصّ لهذه النصوص.

ونلحظ أن المرأة في الموروث الثقافي العربي يتناب شأنها تباين واضح منها، ما بين مؤيد ومشجِّع لدورِها الحيويِّ، وما بين معارضٍ ومنقصٍ له، بحجج واهيةٍ، فالمرأة في بعض جهات الجاهلية لها جانب مهانٌ، فهي الموؤودة، وهي الجارية،  وهي التي تنجب، وهي التي لا يعتد بأمومتها، في المقابل السيدة وصاحبة الشرف والعفة وبنات السادة.

وقد اشتهر أمر على ما روى المترجمون نسبة الأبناء إلى أمهاتهم ، مثل: الشاعر عمرو بن كلثوم، وابن تيمية وهو الفقيه المعروف أحمد بن عبد الحليم، والشاعر الجاهلي ابن حلزة، والشاعر قيس الرقيات،  وابن قميئة جميل بن معمر، وابن القوطية، وابن ماجة صاحب السنن. (معجم الذين نسبوا إلى أمهاتهم للدكتور فؤاد السيد) .

وإذا بالمرأة ناقدة واعية بالأدب شعره ونثره، مثل نوار زوجة الفرزدق ، ومن الوقائع المعروفة أنها حكمت بين شعر زوجها الفرزدق وشعر جرير، وهي السيدة عائشة في روايتها للحديث النبوي الشريف، راوية للحديث الشريف والسنة النبوية المطهرة؛ فقد رَوَت ما يزيد على ألفين ومئتي حديثٍ، وهي الحبيبة التي ينسب إليها حبيبها، مثل كثير عزة ومجنون ليلى.

وحمل العصر العباسي معه ثقافة المرأة الجديدة المؤثرة بمذهبها الأدبي أو الديني في المجتمع، على نحو ما نرى السيدة رابعة العدوية شهيدة العشق الإلهي، مؤسسة المذهب الصوفي الحب الإلهي، ولها رسالة على شكل حكمة تقول فيها: أن نحب من أحبنا أولاً وهو الله، ولها شعر مميز، وبني لها في عام 1963م مسجد في القاهرة يحمل اسمها بأمر الرئيس جمال عبد الناصر.

ومن الشاعرات أيضًا في العصر العباسي: عَلِيَّة المَهْدِيَّة، وفي غرناطة بالأندلس كانت الشاعرة حمدة بنت زياد بن تقي أشهر شواعر زمانها، حتى لُقِّبت بخنساء المغرب، وكانت عالمة عصرها أيضًا.

لقد تفوقت المرأة في العصر الحديث، أحيانًا على الرجل في كثير من المجالات، وأضحت صانعة الأجيال في الجامعة والقضاء والأدب، فبرعت في كتابة الشعر والمقال، ف(نازك الملائكة) الشاعرة العراقية رائدة الشعر الحر.

ونلقى (مي زيادة) ، وهي شاعرة مفوهة وناقدة كبيرة، أشاد بها العقاد، حتى إنها كان يخاطبها بقوله: أنتي، ويأتي بالياء، وهو خطأ إملائي، فالأصل: أنتِ، وعندما سألته عن ذلك قال: أخشى أن أكسرك حتى في اللغة، أما بنت الشاطئ الدكتورة عائشة عبد الرحمن تلميذة عميد الأدب العربي،  فهي المرأة الأولى التي تحاضر في الأزهر الشريف، وحصلت على جائزة عربية كبيرة، وهي جائزة الملك فيصل، ولا يمر القرن العشرون إلا ونرى الدكتورة سهير القلماوي أول فتاة تحصل على درجتي الماجستير والدكتوراه في الآداب في أربعينيات القرن الماضي، ولها مذهب خاص في الكتابة والثقافة ، وتعد رائدة من رواد الحركة النسوية.

ونلقى الناشطة النسوية السياسية هدى شعراوي، لتؤثر في أبناء جيلها، فهي من الجيل الأول من الناشطات النسويات المصريات، وكذلك صفية زغلول زوجة سعد زغلول، فقد كان لها نشاط سياسي كبير، وحملت لواء الثورة بعد نفي زوجها، كما أسهمت في تحرير المرأة المصرية، ولقبت بأم المصريين بعد أن خطبت السكريتيرة الخاصة بها بقولها: ((إن كانت السلطة الإنجليزية الغاشمة قد اعتقلت سعدًا ولسان سعد فإن قرينته شريكة حياته السيدة صفية زغلول تُشهد الله والوطن على أن تضع نفسها في نفس المكان الذي وضع زوجها العظيم نفسه فيه من التضحية والجهاد من أجل الوطن، وأن السيدة صفية في هذا الموقع تعتبر نفسها أمًّا لكل أولئك الأبناء الذين خرجوا يواجهون الرصاص من أجل الحرية)).

ولا يخفى علينا دور المرأة في الفن، فأم كلثوم التي لقبت بكوكب الشرق من أرض فلسطين، كما لقبت بالجامعة العربية، وقيثارة الشرق، وفنانة الشعب، لقد كانت صوت الفن الذي يغزو كل بيت عربي، وحملت في أغانيها الرقة والعذوبة، وعبرت عن قضايا أمتها المصرية والعربية، وأسهمت وتضامنت مع وطنها في محنته إثر نكسة 67 وفي كل موقف استدعى حركة المثقفين، فقد حملت أغنية ((سلوا قلبي )) محملاً سياسيًّا، ولا أدل على وطنيتها من أنها في عام 1956م في أثناء العدوان الثلاثي أرادت أن تشدو، فإذا بالموسيقيين يخافون من أن تضرب إسرائيل الإذاعة، فما كان منها إلا أن تحفظ وتسجل أغنية: ((والله زمان يا سلاحي)) على ضوء الشموع، وأصبحت هذه الأغنية نشيدًا وطنيًّا لمصر في فترة من الفترات.

هكذا كانت المرأة في الثقافة العربية لها وجودها الذي لا يغفل على مرِّ العصور، وإن كانت في كثير من الأحيان تحمل هموم التهميش، وهو ما سنذكر شيئًا منه في الحلقات القادمة.
اقرأ للكاتب: فاروق الباز  ورحلتي مع المَلِكِ: رؤية إبداعية نقدية

Visited 4 times, 1 visit(s) today
تعليق 1
  1. […] اقرأ للكاتب: المرأة في الموروث الثقافي العربي والإسلامي    […]

التعليقات متوقفه