التهميش والإهانة للمرأة رؤية نقدية من مواقف الفلاسفة والأدباء

1٬352

بقلم أ.د/ جودة مبروك محمد

(أيها الرجل لقد أَذْلَلْتَنِي فكنتَ ذَليلاً، حَرَّرْنِي لِتَكُنْ حُرًّا).

نبدأ بتلك الكلمات للكاتبة (مي زيادة) توجِّهُها لآدم، في صراعِ المرأة نحو الحرية والبحث عما سُلِبَ منها من حقوق، وكأنها تستلهم شخصية (شهرزاد) في (ألف ليلة وليلة) ، تفوَّقت بعقلها حتى وضعت يد (شهريار) على الحقيقة من خلال القصص اليومية التي تحكيها له طلبًا للخلاص من حكم الإعدام، والإعدام ههنا رمزية على البقاء للجنس الآخر في مقابل سيطرة الرجل، فالصوت كان صوتها والغلبة بحكيها ونبوغها، و(شهريار) لا يملك إلا الصمت والانبهار والشوق إلى ما هو مخبَّأ في مخيلتها.

لم تواجه (شهرزاد) الرأي بمجرد حكاية تنسجها من خيالها أو من موروثها الثقافي، لكن دافعت عن قيمة المرأة وأحقيتها في الحياة جنبًا إلى الرجل، فلم يطمح الجنس الآخر عبر الزملكان إلى ما هو أكثر من ذلك. و(ألف ليلة وليلة) تساوي في الحساب ما يقرب من ثلاث سنوات، وهي مدة الحمل والرضاعة للطفل، وهي رمزية على أن المرأة تربة خصبة للحياة وبدء المسيرة، فالحمل والرضاعة أساس لتنشئة الأبناء، وكأنها بهذه المدة وهي ألف ليلة وليلة؛ أي: [1001ليلة] قد احتوت الرجل، وأرضعته طبيعة الحياة الحقيقة التي جهلها، وتعلن في الليلة الأخيرة وهي الأولى بعد الألف ميلاد آدم من جديد، إنسانًا يعرف قيمة المرأة.

ويعتقد الكثيرون أن المرأة ظُلِمَت في الثقافة العربية، ولكن ظلمها في الثقافة الغربية أعظم، فإذا تحجبت المرأة العربية أو مكثت في بيتها وحرمت من التعليم والعمل في بعض الأزمنة فإن ذلك كان صونًا لها وحماية.

الروائية الفرنسية (جورج صاند)

نلقى أول ما نلقى بعض مفردات وجودها في اللغة الإنجليزية وكانت تابعة لرجل مأخوذة منه، فقد نالت منها في وجودها مضافة إلى الرجل في بعض الكلمات من مثل: woman ، mankind ، human ، ولو حذفنا كلمة (man) لانتفت المرأة وصفة الأنوثة فيها، بل نقف عن كاتبةٍ تمرَّدت على كونها امرأة، فسمَّت نفسها باسم رجل، وادَّعت التحرُّر، وهي الروائية الفرنسية (جورج صاند)، وهي معشوقة الأديب الفرنسي (ألفريد دو موسيه)، وقد خدعته في النهاية وتزوجت بغيره، ومات بحبها حتى أطلق عليه (شاعر قتله الحب) .

وإذا ما تصفَّحْنا علوم الحكمة في كتابات بعض الفلاسفة وجدناهم يبخسون حقها في الحياة، حتى اشتهرت عبارة (الفلسفة تكره المرأة)، فيأسف (أفلاطون) على أنه ابن امرأة، وقد ازدرى أمه لجنسها الأنثوي، وأنكر الحب الحقيقي بين الرجل والمرأة واستبعد وجوده من الأصل، إلا أنه ممكن بين رجل ورجل آخر، ويبالغ في ظلمه للمرأة فيقترح أن تكون جائزة للمحاربين الشجعان، فأي ظلم هذا اجتباه أفلاطون، ووقعت فيه الفلسفة أو بعضها.

ولا يقف الاضطهاد العنصري عند (أفلاطون)، فيصنِّفُها (سقراط ودارون ونيتشه) على أنها جسد، أما الرجل فهو عقل، والعقل أرفع من الجسد، والجسد أحطُّ.

فرويد

وتأتي العبارات النابية والمحقِّرة في وصف المرأة عند (فرويد)، وهو في الأصل طبيب نمساوي من أصلٍ يهوديٍّ، فالمرأة في نظره: رجل ناقص، ويتجاوز المدى الشاعر (بودلير) فهي الخطيئة في قوله:

أيتها المرأة

يا مليكة الخطايا

أيتها العظيمة الدنيئة

أيها الخزيُ الرفيع

ويستكثر (ألين شلوتر) عليها حتى صفة الأنوثة، فيرى أن الرجل أكثر نسائية من المرأة، (ولا أراها إلا نكتة منه)، هذا من سبيل إلغاء صفات فُطِرت عليها حواء.

ويشتهر ميدان الفلسفة بالفلاسفة العُزَّاب، فلم يقدم كثير منهم على الزواج، فهم ما بين كارهٍ للمرأة إلى أقصى حدٍّ، ومنهم من هو مُغْرَمٌ بها، فيختلفون عن حياة العامة من الناس، ومن طرائف ما ذكره (كانط) في مذكراته ، أنه كانت له صديقة تحبه، ولكنه لم يخبرها يوما بموضوع الزواج،وانتظرته كثيرًا حتى يتقدم لخطبتها أو حتى يخبرها بحبه لها، إلا أنه لم يفعل، فاضطرت إلى إخباره بكونها تريده زوجا لها، تلك الرغبة من طرف صديقته جعلته يطلب منها مهلة للتفكير؛ ولأن (كانط) يوظِّف أنماط التفكير في حياته اليومية ولا يقدم على أي شيء إلا بعد تفكير دقيق بسبب تكوينه المنطقي الرياضي والفلسفي، فإنه ناقش أمر الزواج ، فأحصى أكثر من (354) سببًا يجعله يشرع في طلب يدها، في مقابل (350) سببًا يجعله يتراجع عن الزواج، بعد هذه النتيجة الإيجابية التي زادت بمقدر (أربعة) أسباب، قرَّر( كانط) أخيرًا الذهاب لبيت أهلها لطلب الزواج منها، وعند وصوله أخبره والدها بأنها تزوَّجت ولديها طفلانِ، لقد أخذ بحث (كانط) مدة سبع سنوات يدرس فيها الإقدام على مشروع الزواج.

ولقد حاول بعض علماء الغرب إنصاف المرأة فقدَّم العالم المشهور (كارل غوستاف يونغ) السوسري، الذي يُعدُّ مخترع علم النفس التحليلي وعلم النفس الحديث وهو صديق (فرويد) نظرية (الأنيما والأنيموس)، وهما الاسمان اللاتينان للذكر والأنثى ، فقد فسر فهم الرجل للمرأة والمرأة للرجل على أن كلاًّ منهما يحمل الآخر بداخله، فيرى أن الأنثى تحتوي داخلها على ذكورة، مثلما أن الرجل يتضمن داخله على أنوثة، فقال بأن الإنسان مزدوج الجنسية، وعُرِفَت هذه النظرية بالأنيما والأنيموس.

ولقد تأثر بعض الأدباء العرب ومثقفيهم على ترجيح منا حقيقةً أو مجازًا بأفكار الغرب المتطرفة في تصورهم للمرأة ودورها.

لقد قارب (أبو العلاء المعرِّي) في نظرته التشاؤمية من الحياة عندما حذَّر من ترك الأولاد بين أيدي النساء إذ يقول:

إِذا بَلَغَ الوَليدُ لَدَيكَ عَشرًا          فَلا يَدخُل عَلى الحُرَمِ الوَليدُ

فَإِن خالَفتَني وَأَضَعتَ نُصحي    فَأَنتَ وَإِن رُزِقتَ حِجًا بَليدُ

أَلا إِنَّ النِساءَ حِبالُ غَيٍّ              بِهِنَّ يُضَيَّعُ الشَرَفُ التَليدُ

وقد أوصى (أبو العلاء المعرِّي) بمنع المرأة من الكتابة وتعلُّمِها، وكذلك (الألوسي) المشتغل بالفقه وهو عراقي، فقد ألف في ذلك عام 1897م كتابه ( الإصابة في منع النساء من الكتابة)، وقد رسم في هذا الكتاب صورة استعلائية وإقصائية للمرأة، ومما جاء فيه: (فأما تعليم النساء القراءة والكتابة فأعوذ بالله؛ إذ لا أرى شيئًا أضَرَّ منه لَهُنَّ، فإنهنَّ لمَّا كن مجبولات على الغدر، كان حصولهن على هذه الملكة من أعظم وسائل الشر والفساد، وأما الكتابة، فأول ما تقدر المرأة على تأليف كلام بها، فإنه يكون رسالة إلى زيد ورقعة إلى عمر، وبيتًا من الشعر عزبا وشيئًا آخر إلى آخر، فمثل النساء والكتب والكتابة، كمثل شرير سفيه تهدى إليه سيفًا أو سكِّيرٍ تعطيه زجاجة خمرٍ، فاللبيبُ من الرجال من ترك زوجتَه فى حالةٍ من الجهلِ والعمى فهو أصلح لهن وأنفع).

وإذا كان من خصائص الأدب أن يحمل بين تعبيراته المجاز، فنظريات العلم مختلفة، ولقد أدلى علماء اللغة بدلوهم، فمال بعضهم إلى تفضيل الرجل على المرأة، على نحو ما ذكره الثعالبي في كتابه عرائس المجالس: (الحكمة فى أن الرجال يزيدون على مرور الأيام والأعوام حسنًا وجمالاً، لأنهم خلقوا من التراب والطين يزداد كل يوم جدة وجمالاً، والنساء يزددن على مرور الأيام قبحًا؛ لأنهن خُلِقْنَ من اللَّحم، واللَّحمُ يزداد على مرور الأيام فسادًا)، ليبوح بقدر كبير من الظلم والافتراء للمرأة رغم ما تعطيه للحياة، إن لم تكن هي الحياة ومصدرها.

ولم تكن معاجم اللغة ببعيدة عن ذلك الفكر، ففي لسان العرب لابن منظور يصف الأنثى بأنها أحطُّ من الحيوان، في قوله : (ويقال للمَوَاتِ الذى هو من غير الحيوان: الإناث)، وهي في بعض الثقافات رمز الشر والعورة والفتنة والغواية.

تحدثت تلك الأقلام عن المرأة، وحملت أفكارًا عنصرية تجاهها، ويأتون مقتطعين جملاً من النصوص الدينية ويقولون : الدين ظلم المرأة، فقد منحها نصف حظ الذكر في الميراث، لكنهم لم يذكروا الحديث: (استوصوا بالنساء خيرًا….). ولم يحللوا الحديث في المرأة الأم التي قُدِّمَتْ ثلاثًا على الرجل: أمك ثم أمك ثم أمك، ويبدو أنهم لم تصل إلى أسماعهم الآية: {ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنًا على وهن وفصاله في عامين}.

اقرأ للكاتب:
المرأة في الموروث الثقافي العربي والإسلامي   

 

Visited 19 times, 1 visit(s) today

التعليقات متوقفه