بين ورقة (أينشتاين) و(باشوية) علي مشرفة، وقلم (عبد الجبار عبد الله)

1٬271

بقلم – أ.د/ جودة مبروك

ألبرت أينشتاين (1879م- 1955م) ألماني الجنسية، عالم فيزيائي كبير، وأتقن بجوار تخصصه في الفيزياء الجبر والهندسة، واطَّلع على أعمال (كانط) في نقد العقل الخالص، والذي يُعدُّ فيلسوفه المفضَّل، وفي عام 1896 تنازل (أينشتاين) عن جنسيته الألمانية حتى لا يؤدي الخدمة العسكرية ويتفرغ لدراسته، فأصبح بلا هوية، وعندما تزوج من زميلته في مقاعد الدراسة حصل على الجنسية السويسرية التي تنتمي إليها زوجته، وتنسب إليه نظرية النسبية، وتصنف أبحاثه على أنها النواة لتأسيس الفيزياء الحديثة، وحصل في بحثه عن التأثير الكهروضوئي على جائزة نوبل، وله حلول كثيرة لمشاكل تعرضت لها الفيزياء القديمة، التي لم تستطع إيجاد حلولٍ لها، فتفوق على (نيوين) وغيره من الباحثين في مجال الفيزياء التقليدية، وذلك في موضوعات الضوء والأمواج الكهرومغناطيسية وغيرها.

ومن تلامذته من مصر الدكتور علي مصطفى مشرفة (1898م- 195م) حديث المصريين وفخرهم، وهو فيزيائي، وقد لُقِّبَ بأينشتاين العرب، فقد حذا حذو الأخير في مجالات أبحاثه، وقد حصل على الأستاذية وهو في سنِّ أقل من الثلاثين، حيث عُرفَ بنبوغِهِ وعبقريته. وهو أول عميد مصري لكلية العلوم جامعة القاهرة، ومنحه الملك فاروق لقب (الباشويَّة)، وله تلاميذ أشهرهم (سميرة موسى) التي اغتالتها وطنيتها ونبوغها، وكان (مشرَّفة) مهتمَّا بالعلاقة بين الموسيقى والرياضيات، وتُرْجِمَتْ كتبه عن النسبية إلى لغات كثيرة أهمها: الإنجليزية والفرنسية والألمانية والبولندية.

ومن تلامذة أينشتاين أيضًا الفيزيائي العراقي (الدكتور عبد الجبار عبد الله)(1911م- 1969م) ، عمل رئيسًا لجامعة بغداد، حصل على شهادة الدكتوراه في الفيزياء من معهد مساتشوست للتكنولوجيا MIT، وقد اعتقل في أواخر عمره، وبعد خروجه من السجن سافر إلى أمريكا، وقد عمل أستاذًا في جامعة كولورادو وجامعة نيويورك.

وتعقد المقارانات فيما بين الثلاثي: أينشتاين وعلي مشرفة وعبد الجبار عبد الله.

يذكر أن أينشتاين في وجوده في اليابان عام 1922م فاز بجائزة نوبل في الفيزياء، ولم يكن يملك مالاً في هذا الوقت، ومن القصص التي تروى أنه لم يجد معه نقودًا ليعطيها للخادم الذي يحمل له حقائبه، فمنحه توقيعه على ورقة وبها جملة (حياةٌ هادئةٌ ومتواضعةٌ تجلُبُ قدْرًا من السعادة أكبرُ من السعي للنجاح المصحوب بالتعبِ المستمرِّ)، وطلب منه الاحتفاظ بها، وتمرُّ الأيام ويرحل (أينشتاين)، ويعرض ورثة الخادم الورقة في المزاد تحديدًا في عام 2017م أي بعد مرور خمسة وتسعين عامًا على توقيعِها، يبدأ المزاد بألفين دولارًا، ولم يمضِ من الوقت إلا خمس وعشرون دقيقة إلا ويصل ثمنها إلى 1.3 مليون دولار.

أما العالم العراقي فيدخل السجن في آخر أيامه في عام 1963م، ومكث فيه عامًا، وعندما أفرج عنه هاجر إلى أمريكا ، وكافأه رئيسها  (هاري ترومان) بوسام العالم ، وهو أعلى وسام هناك، تقديرًا لدوره وإندازاته العلمية، لكن الذي أخذ منه في العراق كان كبيرًا، عبَّر عنه بدموعه وهو في المعتقل، مما دفع أحد رفقائه عن سؤاله : ماذا يبكيك؟ فأجاب: (عندما جاء الحرس القومي لاعتقالي صفعني أحدُهم فأسقطني على الأرض، ثم فتَّشَ جيوبي، وسرق ما لدي، وأخذ فيما أخذ قلم الحبر الذي أهداه إلي ألبرت أينشتاين يوم نيلي شهادة الدكتوراه التي وقعَّها به)، وهو قلم من الياقوت الأحمر، لم يستعمله الدكتور عبد الجبار عبد الله إلا لتوقيع شهادات الدكتوراه لطلابه في بغداد.

ثم يصمت قليلاً، ويقول: (لم تؤلمني الصفعة ولا الاعتقال المهين، ما آلمني أنَّ الذي صفعني كان أحد طلابي).

تحية للخادم الذي احتفظ بالورقة، ولفاروق الذي منح الباشوية لرمز العلم ، وتبًّا للتلميذ الذي صفعت يداه من علَّمه.

Visited 56 times, 1 visit(s) today

التعليقات متوقفه