باقي من الــزمن ساعة

745

بقلم الدكتور أحمد علام

أسهب الباحثون في فلسفة الزمن ؛ ما بين مؤيد ومعارض للفكرة ، بينما فرض الواقع نفسه بماضي لم يعد له وجود إلا في الذاكرة ، وحاضر موجود وجوداً حقيقياً ، ومستقبل لم يأت بعد ، وهكذا أبى الزمن إلا أن يكون المحور المشترك  لكل أحداث الماضي والحاضر والمستقبل ؛ رغم أنه غير مرئي أو محسوس ، ولكن يستحيل غيابه عن معادلة الحياة ، حيث لا نفهم شئ دون حضوره أو على الأقل إفتراضه وسط ركام الحركات المطردة للحياة .

حتى أصبح الوقت المادة الخام للحياة ، وإهداره قتل لكل معاني الحياة فهو يعلو على المال ؛ حيث لا يمكن شراء الوقت وبالمقابل يمكن إستغلال الوقت لجنى الأموال ، وأعز ما فى الوقت كرامته فهو إن مضى لا يعود ؛ ومن ثم لزم إستغلاله بما يعود على الإنسان بالخير، فالإنجاز أكبر حافز للتقدم عن طريق الإستمرارية بالعمل المتواصل .

رغم المفهوم الراسخ بأن الزمن مطلق و من المكونات الأساسية للمسرح الكوني ،إلا أن العلم أثبت أنه نسبي مع كل معادلة وبالتالي نحن في زمان خاص بنا ؛ ومرتبط بالحالة الراهنة بكل عناصرها وظروفها ومن ثم لا مناص من الإعتداد به كبوتقة وحيدة تنصهر فيها كل حركات الحياة، ولا تكاد تخرج عن سلطانه حتى تخضع له كل مجريات الأمور ، حيث يضع لها نقطة البداية للحركة داخل بقعة معينة من الأرض، ويرسم لها نقطة النهاية التي لا يستطيع أحد تجاوزها ؛ للتناغم حركة الحياة مع زمن معين فلا يبقى شئ من الحياة للحركة بعد إختفاء الزمن ، بل العدم هو الذي يفرض نفسه.

يمر الزمن بشكل مرعب في إتجاه واحد وليس إتجاهين ، وبالتالي يستحيل إستعادة فترة من الوقت مضت فيخرج تماما عن سيطرة الإنسان الذي يشعر بوقع مروره فقط ، حتى أصبح الزمن السلعة الأنفس التي لا يستطيع أحد تقييمها ، أوإعادة إنتاجها لكونها غير ملموسة بل أقصى ما تستطيع ملاحظته هو استشعار الإطار المحيط  بالحركات والظواهر والتي تنعدم دونه ، وتلك هي السنة الكونية لإحاطة الزمن كمظلة شرعية للأحداث على الأرض ، ولا يتفاعل المكان مع الحدث دون وجود الأب الروحي وهو الزمن .

ليس من سبيل سوى الإعتراف بخطورة الزمن في تحديد مصير الإنسان ، كيف لا وهو محل القسم بكلام الله ولذلك نجد من يتعامل معه إيجابياً فينتفع به ، ومنهم من يتفاعل معه سلبياً فلا يجنى إلا الخسارة حيث يسكن فى رحم كل زمان فرصه التي لا تتكرر بعد أن تتنسم عبير كل صباح ؛ ولسان حالها يدعو كل ذي لب أن يرعاها ويقطف ثمارها وإلا السقوط سيكون حليفه بلا ريب ، ومن يتهيب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر وعمر الإنسان هو رأس ماله الحقيقي في الحياة ؛ فلا مناص من أن يبدأ من الآن في إستثمار وقته فيما يفيد ، ولن تأتي الظروف المثالية التي يحلم بها كذريعة لتسويف أحلامه بل أبداً فورا وباقي من الـــزمن ســــــــــاعة .

Visited 3 times, 1 visit(s) today

التعليقات متوقفه