بعض الأسماء لا تتطلب جمعًا في الاستعمال الشائع

798

بقلم -أ.د/ جودة مبروك محمد

تابعت ما أُثير من حديث الناس عن إيجاد جموعٍ لبعض الأسماء مثل: حليب وأخطبوط وعندليب ووحي… وغيرها، ولو أنك حاولت أن تقترب من هذا المعترك، فقد أسألك عن جمع سكر ودقيق وعسل وجرير وفجل… وهلمَّ جرَّا من آلاف أسماء الأشياء.

لقد جاءتني رسائل كثيرة على الخاص، عن جملة لا بأس بها من سؤالات الامتحانات العامة في السنوات السابقة واللاحقة، ولزم الأمر إلى توضيح بعض الأشياء بغية التبادل الحواري حتى نشترك معًا في حوار مجتمعي، يضمن مستقبلاً أفضل لمنهجية التقويم التي يجب أن تُراعى في ختام العملية التعليمية، فبدء ذي بدء توضع الأهداف من المحتويات العلمية، ثم نضع خصائص المخرجات التي نريدها، مع اعترافي بأن الذين يقومون بوضع الامتحانات أساتذة كبار، ولهم قدر كبير من العلم والإحاطة بفلسفة الأشياء والأهداف العلمية والتربوية، ولها مقاييس من منطلق السياسة التعليمية للوزارة، ولنا أن ننظر في أدائهم بكل تقدير واحترام.

لكن عزيزي القاري دعنا نفكر مليًّا في أهداف تعلم اللغة، بخاصة في مراحل التكوين الأولى، إذ تشهد العموم في الدراسة، فأنت تعلم أن آخر مرحلة فيها هي الثانوية العامة، ولماذا عامة؟ لأنها ما قبل التخصص، وكلامي ينطلق من أن هناك معلومات قد لا يحتاج إليها الدارس العام، فهي ليست من لزوميات معارفه، ويمكن حينئذ أن نطلق عليها: (عِلْمٌ لا يُفيدُ، جَهْلٌ لا يَضُرُّ)، من وجهة نظري الخاصة ينطبق ما سبق من سؤالاتنا للطلاب في مراحل ما قبل التخصص، أي التعليم العام، فلا يحتاج الطالب إلى معرفة جمع هذه المفردات، أو نشغله عن الهدف من وراء تعلم اللغة القومية.

لماذا لا تصلح هذه الكلمات للتعليم العام؟

صديقي القارئ، لتعلم أن بعض هذه الكلمات التي ذكرناها حتى تكوِّن سؤالا عنها لا بد من الإشارة إلى مجموعة فنيات ومعايير يجب توافرها:

الأول: أن يكون الطالب قد درسها في نص، أو درس شيئًا مطابقًا لها يَقِيسُ عليه.

الثاني: أن توجد قاعدة تنظمها، أي: من متابعة الإجراء القياسي نستطيع أن نوجد جمع هذه الكلمات ، فمثلا لو سألت عن جمع (مصريّ)، تقول توجد قاعدة هي جمع المذكر السالم، بإضافة واو ونون أو ياء ونون، فجمعها: (مِصريون)، إذن توجد قاعدة تحكم الإجراءات التي تُتَّبع حتى نصل إلى الجمع، وبما أن هذه الكلمات السابقة تجمع جمع تكسير، فلا قاعدة تحكمها، ولا منطق، فهي في الغالب جموع اعتباطية، ليست قياسية لا تحكمها أو تنظمها قاعدة، مثل: (باب وأبواب)، تقول: ما القاعدة الت حكمت على مجيء هذا الجمع على تلك الصورة، إنما هو محض سماع عن العرب، ومآله إلى حفظ العربية حتى إن العربي القَحّ (الفصيح) لا يدركها إلا بالسماع عن السابقين، وبالطبع وردت كلمة أبواب في نصوص درسها الطالب، ومن مكونات اللغة الدارجة أو العامية، فأصبحت معروفة، فهذه الكلمات التي ترد على هذه الصورة لا إشكال في وضعها مادة للامتحان بوصفها مفردات ينبغي للطالب أن يلمَّ بها، أما التي لم تذكر في نصوص قد درسها الطالب من قبل وقد وُجِدَتْ فيها هذه الكلمات بحيث شكَّلت معجمه اللغوي أو من خلال ممارساته اليومية ولم تجر على اللسان المعاصر، فإن السؤال فيها لا طائل منه، وهو نوع من الضرب بالغيب.

وأسمي مثل هذه الجموع التي حفظتها المعاجم، ولم تُستخدَمْ في النصوص المعاصرة، أو اللهجات العربية المستعملة في النطاق الجغرافي أو ما يسمى بالجغرافيا اللغوية، أسمي كل هذا لغة مَتْحَفيَّة، فمكانها متاحف اللغة أو سجلات اللغة، فهي مثل الآثار القديمة.

ثم تأمَّلْ معي كلمة مثل (حليب)، أما ترى أنها بصورة المفرد تدل على الجمع، فلا ضرورة لجمعها، فالقطرة منه والقطرتان، وزِدْ على ذلك الكوب والعلبة …كل هذا حليب، فالمفرد يدل على القليل والكثير بلفظ واحد، فما حاجتنا إلى البحث عن جمعه، هل سنخترع منتجًا جديدًا مثلاً؟ كذلك كلمة (سُكَّر) ، وهو من المواد المستعملة في مطبخنا اليومي، لكن قليلُهُ وكثيرُهُ (سُكَّر)، فما الحاجة التي نضيفها من جراء البحث عن جمعه، وهو بعيد عن معجم الدارس العام.

وأراني أميل عند السؤال عن جمع المفرد أو عن مفرد الجمع إلى ما هو قاعدي، أي يسير على قاعدة؛ لأن هذا هو الأصل، ولو حاولت أن أقرِّبَ لك الأمر، في الرياضيات ترى مكوناتها عبارة عن قوانين ومسلمات، تدرس القاعدة، والطالب بدوره يطبقها، هكذا علم العربية فيما نحن فيه، قواعد نطبقها، ونسأل الطالب فيها، هذا مرجح عندي، فلا حجة إذن تنتابه إذا ما طلبنا منه جمع مفرد أو إفراد جمع؛ لأنه يسير على القاعدة.

وأنبِّه إلى أنه لا مانع من معرفة جموع التكسير، وأن يُحاط الطالب بها خُبرًا، وأن يُسأل فيها، لكن شرطية أن تكون قد مرت دراستها أو ذكرها في نصٍّ كان من مجمل المحتوى العلمي، فإذا لم تكن هكذا فكأننا نسأله عن الغيبيات وهذا ليس من العلم في شيء.

ومثلي يقف عند سؤالات، وهي جمع سؤال، هل تفيد هذه الجموع دارس اللغة إذا ما أصررنا عليها؟

نحن ندرسُ اللغة لأنها مفاتيح العلوم، وأنها أداة التفكير، فنفكر باللغة، وبها نتواصل ونُبدعُ، ولا أعتقد أن مثل هذه الكلمات في إعطائها درجة في الامتحان يفيد في البنية المعرفية للطالب، خاصة في التعليم العام، وما أحوجني إلى الاطمئنان على ثبات الخبرة بتطبيق القواعد والنظريات اللغوية، وليس لما هو طلب للتفكير اللحظي المفاجئ في الامتحان بما لا يتطلب إلا التخمين والاجتهاد ، وبالتالي يفقد الممتحن الثقة في نفسه بإبعاده عن قواعد العلم التي ينبغي أن نعلي قدرها، بأن نسمح له بتطبيقها، إضافة إلى أنها في معظم الأحوال قد يلجأ الطالب إلى التخمين؛ لأنه لأول مرة تعرض عليه، فلا يميز السؤال بين طالب وآخر من حيث الإلمام بالمعلومات، فيرتفع مستوى طالب وينخفض آخر، دون مسوِّغ معرفيّ، وبتكراره في الأسئلة نرانا قد جانبنا الصواب في نتاج التقويم لمستويات الطلاب.

ينبغي أن يقف هدفنا حول تأكيد رؤية أننا يجب أن نحول آليات التقويم إلى علم له مقاييسه أو استنباطاته التي تقيس بفاعلية مستوى الطلاب، ونؤكد على ضرورة استكمال بنية التطوير بما لا يخلُّ بالأمن المجتمعي وتقدم الدولة المصرية الحبيبة.

Visited 3 times, 1 visit(s) today

التعليقات متوقفه