مفيد فوزي ذاكرة الزمن الجميل

1٬020

بقلم -أ.د/ جودة مبروك محمد

مفيد فوزي أحد أعلام الثقافة والتنوير والقلم الذي لا ينضب، ويعرف طريقه نحو اختيار الكلمات المؤثرة التي تخترق القلوب قبل الآذان، وله حضوره الخاص ويُلَقَّب بالمحاور.

تمكن الكاتب الكبير مفيد فوزي من امتلاك (كوكتيل) من المواهب والسمات الإبداعية التي احتفظت به في مكانة خاصة بين الأدب والصحافة، لعل أهم خصائص أسلوبه هو اختيار الكلمة ودقة التعبير اللغوي وانتقاء التراكيب الجديدة التي تحدث المفارقة والمفاجأة ، وهذا يأخذنا إلى البيت الثقافي الذي استقى فيه مفيد فوزي هذا التكوين الخاص، فمرجعه إلى ثقافة لغة الصحافة التي أخذها عن هيكل أحد عباقرة جيله وقتئذ، فقد تشرَّب من قلمه وأسلوبه، وإلى أدباء عصره أمثال يوسف السباعي ويوسف إدريس ونجيب محفوظ، وإلى عالم الموسيقى والغناء ورقة الشعور والوجدان أمثال عبد الوهاب وصديقه الموعود بالعذاب عبد الحليم حافظ وفيروز وأم كلثوم.

في هذا العالم عاش وحيا مفيد فوزي الكاتب والشاهد على العصر وبرع قلمه في سطور هذا العصر الجميل، فامتلك حاسة سادسة تكمن في الكلمة التي يختارها والأسلوب الذي يكتب به.

ولا يقف العطاء الثقافي لمفيد فوزي عند حد الكلمة المكتوبة وظهرت في كتاباته الصحفية، لكن قاربت العمل التلفزيوني في كونه معدًّا لبعض البرامج ومحاورًا، فهو صاحب مدرسة في الحوار، سواء كان الطرف الأول أم الثاني. في الحوار التليفزيوني برنامج حديث المدينة الذي بدأ من عام 1998م، والذي أخرج للمرة الأولى الكاميرا إلى الشارع المصري،  وكان مفتاحًا لأفكار كثير من البرامج التي جاءت بعده.

فإلى ما سبق ذكره من أسلوب في الكتابة يضاف أنه يمتلك ناصية اللغة بكل مكوناتها، في الأداء الصوتي ومصاحباته من التنغيم والتأثير والقدرة على التفنن في إخراج كل حرف من موضعه ولديه القدرة على إشباع كلماته طاقة دلالية ورمزية هائلة، ويتضح الثراء في معجمه اللغوي وإدراكه للطاقات الدلالية والرمزية التي امتلأت بها الكلمات، كما أنه متمكن في الغوص في عالم ما وراء اللغة أو ميتافيزيقا اللغة، فيمتلك قدرة على الوصول إلى المتلقي بما يعكسه الحوار من عناصر جذب وتشويق، إضافةً إلى ثقافته الواسعة.

تستمع إليه ترى في حواره صورة حية للمكان والزمان، يحدثك عما ليس موجودًا في الكتب، ومؤرخ جيد للحياة الاجتماعية بأدق تفاصيلها، فما أروعه في حديثه عن الزمن الجميل وعصر النهضة الفنية والازدهار الإعلامي في زمن الستينيات وما بعده، على أساس أنه أحد وأهم الشهود على ذلك العصر، فأرى أن جملة حواراته الإذاعية والتليفزيونية تشكل سجلاًّ ووثيقة لأهم الأحداث التي تؤرخ لتلك الفترة الزمنية من حياة المثقفين والفنانين في مصر.

ويمتد عطاؤه حتى يصل إلى التأليف، فيكتب عن العندليب عبد الحليم حافظ (صديقي الموعود بالعذاب والنجاح) عن قصة حياته، و (جواز سفر إنسان ) رحلات صحفية، و(رومانسيات في زمن الجفاف)، و(نصيبي من الحياة) وهي مجموعة من المذكرات ، و(كلام مفيد)، و(جواز سفر إنسان) رحلات صحفية.

اشتغل بالإعداد لبعض البرامج في الستينيات حتى إنه عرف بأنه صحَّف التليفزيون، فأعد البرامج الآتية:

“نص ساعة من وقتك” مع سميرة الكيلاني.

“نجمك المفضل” مع ليلى رستم.

“عزيزي المشاهد” مع أماني ناشد.

“تحت الشمس” مع سلوى حجازي.

“الغرفة المضيئة” مع لبنى عبد العزيز.

“النادي الدولي” مع سمير صبري.

وقد قدم مجموعة من البرامج على شاشة التلفزيون بداية من 1982م، وكان من أهمها:

“عصر من الفن” عن أم كلثوم.

“صديقي الموعود بالعذاب” عن عبد الحليم حافظ.

“المدفع قبل الخبز أحيانا” مع المشير عبد الحليم أبو غزالة.

“الموسيقار وأنا” وهو حوار مطول مع الموسيقار محمد عبد الوهاب.

وله حلقات تليفزيونية منفصلة مع العديد من رواد الأدب والفن والسياسة، مثل: إحسان عبد القدوس ، و يوسف إدريس ،و يحيى حقي والسيدة مفيدة عبد الرحمن، وهي محامية في مصر،  وحوارات أخرى مع عمالقة الأدب والفن والسياسة مثل: مصطفى أمين و نجيب محفوظ و أحمد زويل و فاروق الباز .

وحاور الرئيس الراحل مبارك وزراء الداخلية بداية من: حسن أبو باشا ، وأحمد رشدي ، و زكي بدر حسن الألفي ، وحتى حبيب العادلي، ورؤساء الوزارات في مصر، مثل:عاطف عبيد ، كمال حسن علي ، وعلي لطفي ، وكمال الجنزوري ،و أحمد نظيف، وحاور زينب الغزالي ونجيب محفوظ والمخرج الكبير كمال الشيخ والفنان محمود المليجي.

وإذا كان مفيد فوزي ابن بني سويف وأحد أعلامها، أما آن الآوان لتتذكره قيادة المحافظة في تكريمه أدبيًّا ومعنويًّا، بوصفه رمزًا طيبًا لبني وطنه، لقد ناشدت من قبل بإطلاق اسمه على أحد شوارعها، أو ميادينها، ولعل ذلك يكون في القريب العاجل.

Visited 16 times, 1 visit(s) today

التعليقات متوقفه