بقلم سيد محمد الياسري
تعود كلمة الانثروبولوجيا الى اللغة اليونانية القديمة وتعني علم الانسان ، هذا مختصر ومجمل الانثروبولوجيا قبل ان تتفرع بطبيعة علم الانسان الى فروعه ومن ثمة تنطلق فروعها ، اجتماعية وثقافية ، واثارية ، ولغوية ، وتاريخية ودينية ، ومن ثم اقتباس الادب منها منطلق ثروة عظمى الى دراسات النص ، والنص نفسه من حيث تنطلق منها الثقافة القومية او الاجتماعية او منطلق لثقافات شعوب ، لخصتها الانثروبولوجيا ووتبعتها من خلال البحث بدأً بالنص الشفوي وانتهاءا بالمكتوب .
في ثقافة الفلكلور الشعبي والانطلاقات الفكرية للاساطير التي حملتها ذاكرة الشعوب من جيل للاخر من دون التفحص على محور صحتها من عدمها تبقى الأسطورة بحث ادبي عن جزء من امل الانسان في كماله ، ان كان تآله ام كمال الخصال ، فهما بلغت من شعبيتها – الأسطورة – تظل ذات نص ادبي بين قوسين يبدأ بالبساطة او الركاكة الى ابعد كمال في الحبك حيث تزرع صورة المتعة والقبول ومس الخيال وحملها لتصور الواقع هذا ماتعطيه الدراسة الانثروبولوجية للنص في دراسة حول جذور ما جاء وما قدم وما وفد وما أتى من محفل الشعوب في النص ، ولاسيما في مايخص الكاتب او الشاعر في العصر الحديث في تقبله وحمله ثقافة الشعوب ان كانت جزء من اسطورة اوجزء من إلهام او تجريب اتخذه الكاتب نفسه ، فلربما مايكتبه الاديب هو جزء من حياته حاول ان يصيغه بعبارات تبعد التكهنات والدراسات على ان البطل هو نفسه .
(مورفين أحمر ) قصة للكاتبة السورية ماجدولين جرماني اتسمت بطابعها الانثروبولوجي من انطلاقات الأسطورة والرمز واللغة بين منطلق الفصيح والعامية ، وكأن الكاتبة ارادت ان تفصح عن ذاتها كطاقة إيجابية للمرأة القارئة الباحث عن مكانية او بحوبحة تصل فيها الى ذاتها وتعود منها في تفجير ثورة حول مفردة : أنثى ، التي تعد كل شيء بدأ من انطلاق الحكاية ( شام ) كأسطورة تبعث على مدى الرمزي للوطن ، وكمرأة تبحث عن عمق الانثى على مفترق طرق التاريخ ، بين ان المرأة لها مكانة في التاريخ بموقع ما احتله زمن المتاهة وبين تاريخ مملوء بالجنس والعبيد والخضوع واللهو والعدم والمذلة وهو الأكثر امتداد والاقرب الى ذاكرة الكاتبة بين تمحيص ذاتها التي افاقت على الحرية حتى مع الاب في حوار كاد ان يكون عقيم على ان هذا العقم هو مفصل التاريخ وخضوع المرأة في شفوية تاريخها لحد ما صنعت تاريخ ان تكون هي المبدعة وتكتب عن نفسها كانثى تملك الحرية والقدرة والانثوة التي تخضع للجنس بحدود تختارها من بين تاريح ممحل في الانوثة فكل ربيعه عبارة عن ذكورة تحاول ان تضع فيه صورة الاشواك بدل الزهور .
محاولة فهم الشعوب والاسطورة من قبل (ماجدولين جرماني ) للرجل بان تلك الصورة الربيعة التي يخلقها الرجل كمهيمن على كل شيء جاءت من اصوله العميقة كبعد انتروبولوجي في اثره فان تاريخه عبارة عن اشواك مازالت دماء الانثى عالقة فيه بتخدير انثوي وتطبيع ذاتي من قبل المرأة ذاتها لذا تعد اللغة انثروبولوجيا الأصل التاريخي والاجتماعي فاختارت اللهجة كرمز قناعي للفهم مرة للخنوع وتارة للقبول وأخرى لفهم ان المرأة قادرة ان اختارت وان عصرها ينبع من ذاتها التاريخي بانها هي الولود لرحم الحياة مع عدم ترك خصائص الانثى فهي ليس رجلا بتصرفاته لكن امرأة بتقبلها حياتها التي تصنعها من تاريخها وتستفاد من تلك الأسطورة التي تبدأ بحكايات تغذيها المرأة في حجر الوليد لتصنع منه رجل كي يذل امرأة أخرى ، معادلة بشعة بين سلطة تخلقها المرأة كي تكون خاضعه فهي تربي بحجرها منذ الازل الانثى والذكر وكلاهما تغذيه برمز واسطورة وحكاية وكلاهما نبعا من تلك اللذة المفرطة بالجنس لتعود الى نفس المسافة بتاريخ عبارة عن مخدرات يبدأ من الشفاة لحكاية الرجل الظالم الذي ترتبيه المرأة المظلومة .
استفادت من اللهجة بصنع ايقونة حول سوريا ، كما استفادت من اللهجة السورية لدراسة الفلكلور الشعبي وبثه ، ويمكن ان تتخلل القادم محاولة لفهم النص الفصيح من حيث الإرث الكلامي ( الانثروبولوجي ) في تتبع المجتمع اذ ان في مفهوم الكاتبة ان النص اللهجوي يتيح فرصة للدراسة التاريخية من حيث المجتمع ومن حيث فهم النص من قبل القاريء مع ان النص اللهجوي لم يعد له دلالة الا بمعناه حيث ينحصر حول معنى واحد محدد وهذا ما يخلق انطباعا انثويا حول الهدف ولاسيما في هدف توضيح الظلم او المظلومية ، او الخنوع او الجنس او الحوار ، باختلاف النقاد يرونه في كثرته يضعف النص ويجعل الخلل في الفصحى ، انثروبولوجيا يعد قوة لفحص الثقافة الاجتماعية وتطورها من الشفوي الى المكتوب .
مع ان الصورة الانثوية لدى الكاتبة تمتد بعمق التاريخ وتجد حلا بين العلامات الموجبة من خلال الدلالة الرمزية ، الا انها أخرجت لنا صورة المرأة الجسد ، والتابع للذة المال ومتعة الحياة ، كما اخذت تدق عنق الحقيقة بين الاختيار العائلي والحرية الشخصية ، ولم تترك الموروث السوري وحده يخوض في هذه المعركة بل أدخلت اساطير الحضارة الهلينية كجوبيتير وهيرا ، لتعيد الى ذهن القاريء ان اختيار الأسماء لم تعد عشوائية كشام وهاجر وغيث .. الخ بل هناك حسابات موروثة في المجتمع دالة على تاريخ عميق يمكن للانثروبولوجين ان يكتشفوا هذا بعد تتبع سلطوية اله الحب ، والنطق اللهجوي الذي بات تراثا عبثيا في حياة العرب وهي تكتب شيء وتلفظ شيء آخر .
البحث وراء حاسة الكاتبة هي دراسة حول تحسس التاريخ والاستفادة منه كطاقة إيجابية ، ووضع الموروث كحكاية يمكن دراستها تحت سلطة اللهجة والفصحى بين موت حقيقي ونبض مازال مستمر بشريان التاريخ ، رؤية جديدة تستحق الامعان والتمعن والتجلي وان كانت هناك فيها وضوح انثوي او جنسوي حول قضايا بات المجتمع يعرفها واللغة باتت فيها بعيدة بعدما ملأت صحون النفس بالصور .
التعليقات متوقفه