الكاتب العراقي/ اسعد عبدالله عبدعلي يكتب :رحلة مع الروائي حامد فاضل

569

اسعد عبدالله عبدعلي

هو “2” كاتب وروائي ومسرحي وصحفي عراقي, ولد في مدينة الرميثة بالعراق عام 1950، وحصل على بكالوريوس اللغة الإنجليزية وآدابها، وعمل في مجال التدريس, وعمل مراسلاً لجريدة «الزمان» من عام 2003 إلى عام 2005، ومراسلاً لجريدة «الأديب» الثقافية من عام 2004 إلى عام 2013، ومراسلاً لوكالة رويترز للأنباء من عام 2003  إلى عام 2008، وعمل مندوباً لمعهد المرأة القيادية من عام 2004 إلى عام 2009، كما قام بإعداد الصفحة الثقافية لجريدة «السماوة.

رحلت طويلا للبحث عن شيء مفيد للقارئ, عن هذه قمة من القمم الادبية العراقية, فوجدت كلام مهم للكاتب  يجدر بعشاق الادب وفن الرواية قراءته بتمعن.

  • وصف البدايات

في احد الحوارات يصف البدايات فيقول: “لنعد إلى صندوق الطفولة، ذلك الصندوق المدهش، الموصد على بؤر الحكايات المأهولة بمخلوقات المخيال الساحرة، تلك المخلوقات التي تتلفع عباءات زمن البراءة, في المساءات المضاءة بالفوانيس الشاحبة كوجوه الفقراء، واللوكسات التركية الفائضة كغرر النهار, المساءات الشتوية الصاقعة، اللائذة بالمواقد المكتظة بالجمر المتوهج، والدلات المترعة بالقهوة، والفناجين المزنرة بالأزاهير، وشبابيك الزلابية الدبقة، وأكياس التبغ الحار، ودفاتر ورق اللفائف الشفافة، ومسابح اليسر الموشاة بالفضة، والعقل واليشاميخ الجنوبية، واللحى البيض، ووجوه الأجداد الموسومة بالبساطة، الطافحة بالسعادة برغم أخاديد العناء.. أو المساءات الصيفية القائظة، المندات بنضح جرار الماء المعممة بعمائم الخوص، المتروكة على قارعة الشرفات، حيث تتعرى أشياف الرقي مكشوفة لأعين السماء أمام مراوح النسيم، وتهفو الأكف إلى مهفات الخوص.. كنت أغذي أحلام اليقظة بما يتساقط من نخلة لا شعور الحكائين في مجلس جدي، كان غرين الحكايات/ يترسب/  يركد/ في قاع الذاكرة، ثم يطفح بتأثير محرض/ غامض/ مجهول/  ليلقي بأحداثه وشخوصه إلى أجراف المخيلة البكر/  فتهتز/ تربو/  تتناسل/  لتلد حكايات أخرى جديدة..

  • ولوج عالم المطالعة

صرت أقتصد في مصروفي لأشتري كتب/ موريس لبلان/ أجاثا كرستي/ أيان فليمنغ/.. في مرحلة الدراسة المتوسطة، استهلت رحلة القراءة لروائع الأدب العالمي بروائع الأدب الروسي، قرأت لمعظم الكتاب الروس الكبار، أعدت لأكثر من مرة قراءة ملحمة الحرب والسلم، لأقتحم تولستوي، التهمت رواية الأخوة كارامازوف برمتها،  تقول فرنسزواز ساغان: (كلما قرأت لدوستوفسكي، شعرت بضآلة ما نكتب).. هناك قصة قصيرة لذلك الكاتب ذو الشارب الكث الذي أبدع في رواية الأم، تتحدث عن غانية تكتب الرسائل لنفسها من عاشق اختلقته، هذه القصة ما تزال تنبت كنخلة في الذاكرة لتذكرني بعظمة مكسيم غوركي.. رحلة القراءة الممتعة التي ابتدأت بقصة بوليسية ما تزال مستمرة ولن تتوقف إلا إذا توقف خفق جناح ذلك الطائر الصغير الحبيب الذي يدعونه القلب، وما تزال أسماء المؤلفين وعناوين الكتب تحشر في خرج الذاكرة، الأسماء والعناوين القديمة تفسح للأسماء02 والعناوين الجديدة، شخصيات روائية كثيرة حفرت أسماءها في لحاء الذاكرة/ راسكولنكوف عند دوستوفسكي/ زيفاكو عند بوريس باسترناك جان فالجان عند هيجو/ ديفيد كوبر فلد عند دكنز/ ستيفنسن عند جويس/ زوربا عند كازانتزاكيس/ هاري عند كولن ويلسنــ كم حاصرتني ضياع في سوهو بسطوتها في فترة المراهقةـــ/ ثم بنجي عند فوكنر/  ساما عند كافكا/ وهذان الكاتبان أبدعا أروع روايتين أثيرتين عندي هما الصخب والعنف، والتحول أو المسخ”.

  • مرائي الصحراء المسفوحة..

وعن (مرائي الصحراء المسفوحة) يقول: في كتاب المرائي، هناك انتقاله من الاشتغال على المروية الشفاهية لتحويلها إلى قصة فنية, كما في مجموعة ما ترويه الشمس، ما يرويه القمر إلى الحفر في الخلفية الميثولوجية الصحراوية، واستغلال المكان الصحراوي كسداة لنسج غزل حكايات الصحراء، فكتاب المرائي هو بوتقة تنصهر في متون نصوصه/ الأمكنة/ الأزمنة/ الميثولوجيا/ التأريخ/ الأساطير/ المرويات/ الشعر/  المينوغرافيا/ السحر/ الجن/ الحداء/ القصيد البدوي/ لتنتج أحداثاً من عالم رملي لا يُرى سحره الباطن إلا من خلال عين المخيال، وهو محاولة في حفريات النص الصحراوي المؤثث بالكائن الحي.

نصوص المرائي هي التنصت على صمت الصحراء المكتنز بالحكايات الغرائبية، وأحسب أنها تجربة جديدة في ثقافة الأمكنة.. هناك في المرائي مشاركة في صنع الأثر الكلي بين الحكاء والقارئ، وقد أختار الدكتور لؤي حمزة عباس المرأى المعنون (دلو في بئر بصية) ليكون أحد فصول كتابه (المكان العراقي) الذي صدر في بيروت، رغم أن المرائي لم تصدر بعد”.

  • اول نشر

نشر أول قصة له في مجلة «الطليعة» الأدبية عام 1975، وترجم ونشر بعض القصص من اللغتين الإنجليزية والألمانية, نسب لعدة سنوات للعمل في النشاط المدرسي في قسم المسرح ثم مسئولا للقسم الأدبي, وأعد وألف وأخرج العديد من المسرحيات والأوبرتات للنشاط المسرحي، وقد فاز معظمها بجوائز منها: مسرحية «الحرب»، أوبريت «نمور الهوية»، وأوبريت «حكايا لنساء رائعات»، ومسرحية «عرس وعصافير»، ومسرحية «بغداد يا بغداد»، وغيرها.

  • البحث عن المغاير

يتحدث الروائي حامد فاضل في احد حواراته عن تجربته الادبية فيقول: منذ أن دحا الخالق ألأرض وأثثها بالكائنات، والعالم السفلي ينزع  نحو التجديد، وهذا أمر قائم  مادام الحاضر الذي يتوسط الماضي والمستقبل، هو عماد خيمة الحياة، فمن الغد يُصبح اليوم، ومن اليوم يَصير الأمس، فالحياة إذن حالة متجددة تستبدل الزائل بالجديد، وقد أدرك الشاعر السومري ذلك وعبر عنه في ملحمة الخلود. وكذلك هو حال كل مبدع في أي فن من فنون الأدب, عالمنا ملئ بالأدباء من الشعراء والساردين، لكننا لا نرى في نصاعة التأريخ الأدبي الخالد إلا الثلة من المجددين, أولئك الذين يخلعون على إبداعهم سواء كان شعراً أم سردا ثياباً جديدة, ليخرج مزهواً كالطفل في العيد..

المروية متاحة للجميع، لكن سر خلودها الذي يجعلها متجددة في الذاكرة الجمعية يكمن في ما يضيفه الراوي المقتدر الذي يتمتع بمخيلة خلاقة, حرصت دائما على أن لا أكرر ما قيل أو كُتب، فالكتابة عندي هي عملية بحث دائم عن مواضيع مغايرة, خلود الإبداع يكمن في هذه الأسئلة الثلاثة، متى تكتب؟ ماذا تكتب؟ كيف تكتب؟ والإجابة عن متى، هي عندما يستدعي الواقع المعاش/ العرض/ التنبيه/ التحريض/ الأمل/ أما ماذا، فالإجابة عنها تنتج من انصهار/ الواقعي/ الغرائبي/ الرؤيوي/ المخيالي/ في بوتقة القص.

أما كيف، فالإجابة عنها تتلخص في الابتعاد عن/ السذاجة/ العجالة/ الإنشائية/ الفوتوغرافية/..  في “حكايات بيدبا”، الأحداث البسيطة التي حدثت للناس البسطاء الذين عرفتهم عن كثب وعايشت همومهم، تلك الأحداث مزقت شرانقها وحلقت بأجنحة ثيمات ملونة، لتخرج من محراب القصص بزينتها كحكايات جديدة استطاعت أن تأتي بقبس من نصاعة النقد العراق.

  • كتابة الجمال

وعن هواجس كتاباتك التي تنشغل بالهم الإنساني العام، والهم العراقي وكيف يتسنى كتابة الجمال في الخضم المشوه يوضح: القصة ليست كالشعر الذي هو وليد قدح اللحظات.. القصة أو الرواية هي نتاج رحم المعاناة، والكاتب هو دفة التغير في سفينة الحياة التي تمخر عباب الزمن محملة بهموم الإنسانية كافة.. عندما نقرأ أمهات القصص العالمية سواء في زمن الحروب/ الإقطاع/ البرجوازية/  الفوضوية/ الأوتوقراطية/ الدكتاتورية/ نجد أن الهم الإنساني هَمٌ واحد، إذن عندما تكون العذابات أقسى، تكون الكتابات أجمل، ولذلك فقد لامست ذاكرتي، ثم تجسدت أمامي وقائع رواية (وقت للحب، وقت للموت) للكاتب الألماني أريش ماريا ريمارك عندما كنت جنديا في الحجابات في جبهة مجنون أبان الحرب العراقية الإيرانية.

وكنت كلما تناسلت النوائب من حولي، قرأت قصة من الأدب الروسي الذي هو أدب إنساني بكل معنى الكلمة، حيث  أشعر كأن ذلك الكاتب إنما قصدنا نحن العراقيين بأحداث قصته تلك.. من هنا نخلص إلى أن العذاب العراقي هو جزء من العذاب الإنساني، ولما كانت عملية الكتابة هي المواكبة والتجسيد/ التأريخي/ التسجيلي/ الفني/ الواقعي/ المخيالي/ للأحداث وأزمنتها وأمكنتها، فإن هناك الكثير من السمات المشتركة في عذابات الشعوب، ولا يمكن لكاتب يؤمن بأن الكتابة هي عملية/ استشراف/ توعية/ تنوير/ تحريض/ تغيير/ أن يتنصل عن واجبه في الكتابة عن هموم وطنه، وعذابات مجتمعه، وأقول جازماً أن لا وجود للكاتب غير الملتزم، فالكتابة هي أحد أوجه الالتزام، أن لم تكن الالتزام بأكمله”.

  • جنون المثقف

وفي حوار آخر يقول “حامد فاضل” عن كون شخصية المجنون تسكن المثقف في المجتمع المنغلق: “من المعروف والمؤكد أن المثقف غريب في المجتمع المتخلف والمنغلق.. نعم يستطيع المثقف التكيف مع المجتمع المتخلف ثم يعمل على تغييره، وتلك هي رسالته، ولكنه يصطدم بمصدات سلفية المجتمع المنغلق الذي لا يجنح إلى التغيير لأنه يعيش ضمن إطار الماضي، فهو إذن لا يدرك أن الحياة حالة متجددة تستبدل عالماً قديماٌ بعالم جديد.. بينما يستشرف المثقف أثر الواقع Real Effect ضمن تلك التفاصيل الجزئية التي تأتي ضمن سياق السرد الوصفي وهو المفهوم الذي أكده بارت Barthe . ولأن المثقف يعيش الحاضر مفكراً للمستقبل، إذن لا يمكن أن يحل الانسجام بينه وبين الواقع المنغلق، وبالتالي سيكون عليه العيش ضمن واقع بديل يخلقه لنفسه، وقد تنتج عن هذه القطيعة بين المثقف والمجتمع المنغلق حالة فصام وهناك شواهد كثيرة على مثقفين مرضى أو أنصاف مرضى بسبب عدم الانسجام مع مجتمعاتهم”.

  • أعماله

1- حكايات بيدبا, (قصص)، عام 1994م.

2- ما ترويه الشمس .. ما يرويه القمر, (قصص)، عام 2004م.

3- المفعاة, (قصص)، عام 2010م.

4- ثقافة الأمكنة مرائي الصحراء المسفوحة, (سرد)، عام 2012م؛ وهو كتاب أعاد طباعته الاتحاد العام لأدباء العراق ضمن منشوراته لعام 2021م.

5-  رواية «بلدة في علبة»، عام 2015م.

6-  «لقاء الجمعة»، عام 2020م.

7- الحكايات المأهولة بمخلوقات المخيال الساحرة.

8-  جائزة نادي الجمهورية من جريدة الجمهورية عام 1994 عن قصة “للشاي طعم آخر”

9-  جائزة نادي الجمهورية من جريدة الجمهورية عام 1995 عن قصة بئر الوجاجة.

10-  جائزة تموز اتحاد الأدباء العام عام 1995 عن “قصة المظلة”

11-  جائزة الاتحاد العام للأدباء والكتاب العراقيين في بغداد عن قصة “بصوة أرض الجن”

12-  الجائزة الثالثة في مهرجان المسرح العمالي العربي الأول بغداد عام 1997 عن مسرحيته (اهتمامات عربية) وهي من إعداده وإخراجه

13-  جائزة الابداع العراقي وزارة الثقافة بغداد عام 2011

14-  شارك كباحث ومدير ندوات ولسنتين في مؤتمر الثقافة السريانية في أربيل

15-  شارك في مؤتمر الثقافة العربية الكردية في بغداد كما شارك كمدير لندوتين في مؤتمر الثقافة العربية

16- شارك في معظم الأماسي والمهرجانات الأدبية في ليبيا

17-  شارك في أماسي عمان الثقافية في الأردن كما شارك في معرض عمان الدولي للكتاب

18-  كُتبت عنه العديد من المقالات النقدية في العراق والوطن العربي والخارج، وأجريت معه لقاءات في قنوات العراقية، والحرية، وبغداد، والبغدادية، والسومرية، والسماوة، والمثنى، وقنوات محلية أخرى

Visited 2 times, 1 visit(s) today

التعليقات متوقفه