كتب/ اسعد عبدالله عبدعلي
يمكننا القول ان ابرز اشكال التعصب في المائة سنة الاخيرة هي الحركات النازية والفاشية والإخوان والوهابية, وافرخت الكثير فيما بعد, فهي نماذج من الجماعات والتنظيمات السياسية والحركية والدينية المتشددة، التي تسيطر بخطابها على فئات اجتماعية عريضة، وتسمم السّلم المجتمعي، باستخدام محفزات للتشدد؛ تفضي إلى إبادة الآخر, وقد ضرب هذا المرض اللعين بلدنا بشتى صنوف التعصب! ليتحول البلد الى خربة لا يمكن اصلاحها, فعندما يزهر الجهل والتعصب في راس انسان! عندها لا يمكن انتظار اي خيراً منه, نعم يكون التعويل على القانون الذي يكبح جماح الفئات المتعصبة, لكن هذه مصيبة بلدنا الكبرى, فالقانون معطل بفعل فاعل.
تاريخياً, بعد انتهاء الحرب الباردة بين الروس والامريكان, كان هنالك قرار من قوى الشر العالمي بان يتحول الشرق الاوسط لمركزاً للتعصب الاعمى الاهوج, لذلك يجب ان تكثر الحروب والجهل والفوضى, ويطول عمر الدكتاتوريات, فكان ما كان حتى وصلنا الى هذا المقطع الزمني المخيف.
يمكن تعريف التعصب: “بأنه شعور داخلي يجعل الإنسان يتشدد, فيرى نفسه دائما على حق, ويرى الآخر على باطل! بلا حجة أو برهان, ويظهر هذا الشعور بصورة ممارسات ومواقف متزمتة, وينطوي عليها احتقار الآخر, وعدم الاعتراف بحقوقه وإنسانيته”.
- مغذيات التعصب:
تغذت النازية على معاداة المخالف لهم فكريا وثقافيا ودينيا، وشاركتها حركات متطرفة «نظرية المؤامرة», فالمغذي الاكبر للتعصب يكون عبر:
1- تغذية الجماهير بان هنالك مؤامرة ضدهم وضد فكرتهم (المتعصبة), وان العالم يخطط ضدهم, وانهم فقط اصحاب الحق والحقيقية, وان قادتهم مرتبطين بالسماء, وكل الفضيلة لهم وحدهم, وغيرهم مجرد ادوات للباطل, وكل شيء مباح لهم فعله لانهم يسعون لتحقيق العدل.
2- من اخطر العوامل التي تغذي التعصب, هو تضخم الذات: وتعني ان الذات هي التي يعود إليها الفرد وينتمي لها, والتي هي من الممكن أن تكون هذه الذات (ذات الشخص, أو ذات القبيلة, او ذات التوجه العقائدي, أو ذات الدولة؛ حيث تؤثر هذه الأنا على طبيعة الشخص وفكره؛ إذ إن الاعتزاز بالذات بصورة مفرطة وتضخمها في عين الفرد, قد يؤدي الى التعصب المفرط.
3- عامل اخر مهم في تغذية التعصب وهو الشعور بالنقص الذاتي, فإن الشعور بالنقص هو من أكثر الأفكار والمشاعر السلبية, والتي تؤثر على طبيعة الفرد, والتي قد تجعل منه متحيزًا لرأيه, ويرفض الآخر ولا يقبل إلا رأيه ومعتقداته, ظنًا منه أن هذا وحده ما يحقق الكمال بالنسبة إليه.
4- العامل الاكبر والمغذي الاكبر هو الجهل, فالجهل على اختلاف أنواعها وانغماس الشخص في الجهل, قد يجعل منه شخصًا متعصبًا لا يرى إلا تلك القوقعة التي نشأ فيها وترعرع عليها، فإنه لا يتقبل الآخر ولا آرائه ولا يعطيه أي احترام أو أهمية.
عندما نتعمق في تعريف التعصب نجد لها تطابق عجيب مع الواقع العراقي, والتعصب ينتج في البيئة الجاهلة والمفتقدة للوعي والتعقل, والتي تعيش مراحل جاهلية بثوب الحداثة, وسنتحدث هنا على بعض صنوف التعصب الموجودة حاليا:
- التعصب السياسي
ومقياس الاتجاهات التعصبية له مضمونها حول تبني فكر سياسي واحد، والاستماتة في الدفاع عنه بشتى الطرائق الممكنة، والايمان بأنه هو الوحيد الصحيح والهادف، والانضمام الى الأحزاب واعتناق فكرها السياسي، والكتابة والتحدث بحماس عن هذه الأفكار السياسية، وأنها مسألة حياة أو موت، والاحساس برسوخ الافكار وبصعوبة تغييرها، وانه هو الصحيح وغيره خاطئ (التعصب مع)، صعوبة تقبل افكار سياسية أخرى تتباين مع ما يعتقد به، والغيظ الشديد من أي جوانب نقد للأفكار التي يعتنقها، وعدم الارتياح للأشخاص من فكر سياسي مختلف فيكون ( التعصب ضد).
- التعصب الاجتماعي
نحن سنتكلم عن حالات حصلت في بقاع اخرى من المعمورة, وعلى القارئ اللبيب ان يطبق المقصود على بلدنا, هنا التعصب يعني التنافر الشديد بين الطبقات الاجتماعية, في المجتمع اللبناني ينتشر التعصب الطائفي بشدة، بين الطوائف العديدة المكونة للمجتمع اللبناني, والذي غالبا ما يتطور بين الميلشيات المسيحية والاسلامية, ويتحول الى صور من الصراع المسلح, كما حصل في الثمانينات من القرن الماضي، وفي بلاد الشام والعراق ما نشهده اليوم من فتن تثار بين المكونات للمجتمع بين جميع الطوائف, التي كانت لقرون تعيش بتسامح ومودة ووئام، وخاصة بين المسلمين والمسيحيين.
وأكثر حمقا وشراسة الذي يتسم بالتكفير والاقتتال والهدم لدور العبادة ولأحياء السكن والتهجير، وبكل صور العنف والعدوانية والوحشية، وبسيادة الاعتقاد ان كل من يختلف مع أفكار فرد أو جماعة هو عدو له.
- التعصب الطبقي
يدور مضمونه حول الاعتقاد في ضرورة ان تقتصر التعاملات الاجتماعية على الاشخاص الذين يتماثلون في المستوى المادي، ويقيمون في المنطقة السكنية نفسها، سواء الصداقة أو الزواج ، وأن يعرف شخص حدوده الطبقية ولا يتعدها، والاعتقاد أن هنالك فروقا بين أبناء الأغنياء والفقراء في الذكاء والشخصية، والتالي توجد المفاضلة فيما بينهم فيكون ( التعصب مع)، وأما عدم الموافقة والارتياح لإقامة أي نوع من العلاقات مع أشخاص يتباينون في المستوى المدي، وعدم الارتياح للذهاب للأماكن الجديدة، سواء الأعلى أو الادنى من المستوى للشخص، وان تخصص مدارس لأبناء المناطق الشعبية والأخرى لأبناء الأحياء الراقية، فيكون ( التعصب ضد).
- التعصب الطائفي
احداث ما بعد تفجير سامراء اتسمت بالتعصب الطائفي, وقد ارتفع نارها بسبب التعجل بالفعل وردة الفعل, من دون تحكيم للعقل, وقد نهى القرآن عن هذا الشكل من التعصب كما جاء في الآية 256 من سورة البقرة (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ), لكن مع الاسف كان هو الابرز ظهورا في البلاد بعد سقوط الصنم, فاصبح القتل على اساس الانتماء الطائفي, وقد سالت الكثير من الدماء, واصبحت الحياة بشعة جدا بسبب رخص روح الانسان العراقي!
وهذا النوع من التعصب هو ما يخالف روح الاسلام, وما دعت له المرجعية الصالحة من ضبط النفس, وحرمة الدم العراقي مهما كانت طائفته, لكن اهل التعصب لم يلتزموا لا بنصوص الاسلام ولا بإرشادات المرجعية الصالحة, مما ادخل البلاد نفق مظلم مخيف, والى اليوم نعاني منه.
- التعصب الفكري
من المؤشرات الخطيرة التي سجلت في البلاد, هو ظاهرة التعصب الفكري, والتعصب الفكري هو التفكير دائما بصفة أحادية مع إلغاء الرأي الآخر, ورفض تقبله ونقاشه, وهو إلغاء العقل، مع اننا بلد اسلامي والإسلام دين وسطية وتوازن في تناول الأمور عند التعامل مع البشر، يقول سبحانه وتعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ وَمَا كانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ }[البقرة:143].
فالتعصب الفكري عملية مخالفة النص القرآني, اي مخالفة للدين المحمدي الاصيل, وايضا هو تغييب القيم الانسانية, وغرق الانسان ببحر الجهل والتسافل.
- التعصب ضد المرأة
فيوضع لها انماطا مميزة من الخصال او من القوالب النمطية التي تنطوي على مختلف اشكال التحيز ضد المرأة, مقابل الافتراض ان الرجال يتسمون بالكفاءة والاستقلال.
ومقياس الاتجاه التعصب الاعتقاد التام بالمكانة الوضيعة للمرأة، وأنها لا يمكن أن ترتقي الى مستوى الرجل وانها كائن ضعيف، وأن مكانها البيت وليس سواه، ورفض قضية المساواة مع الرجل، اذ هي أقل ذكاء وتفكيرها تافه لا يمكن الثقة به، ولا يمكن نجاحها في ميادين العمل وفي قوة الانتاج، وقدرتها ضئيلة في الابداع في شتى ميادين العلم والادب، والتشكك بنواياه، وانها تتحين الفرص للخيانة، وهي اصل وسبب تعاسة الرجل, وأن الزواج منها شر لا بد منه، فالمعاملة القاسية معها لا بد منها.
- التعصب الرياضي
وهو الحب الشديد لفريق أو رياضة دون غيرها, وعدم تقبل النقد له, ويكفي في بيان ضرره أنه بلا ثمرة. والألعاب الرياضية وسيلة وليست غاية فكيف يتعصب لمتعاطيها، فهو تعصب دليل الجهل المستحكم بصاحبه.
وفي حاضرنا وبسبب تواجد ذيول الاحزاب في الاندية, ودخول الطارئين والجهلة واصحاب المال, وايضا بعض سفلة الامة على خط الرياضة, تحول التشجيع الى تعصب وتنابز بالكلمات الشنيعة والاتهامات البطالة, فنجد تنابز بالألقاب المقززة وعبر الاعلام العراقي الهابط – مع الاسف-, كما اطلق البعض على جماهير نادي الزوراء (البعثية), مع ان جماهيرية لا يجوز تسقيطها, وهي تمثل مختلف فئات الشعب, مع ملاحظة ان كل اندية العراق في زمن حكم البعث بقيادات بعثية, ولا يوجد نادي معارض لنظام صدام, حيث كان يحكم صدام البلد بالحديد والنار, فكان تعيين القيادات الرياضية من قبل العائلة الحاكمة, فكل اندية العراق في هذا الامر سواء.
لكن يأتي بعض سفلة الامة فيطلقون على مشجعي الزوراء بالبعثية في محاولة تسقيط قذرة يمارسها الجهلة والسفلة, مع اننا ابناء وطن واحد ومن المعيب هكذا افعال, لكن بسبب ضعف الدولة وتسلط الاحزاب وموت القانون اصبح كل شيء اعوج هو الذي يمر من دون اي اعتراض.
- نتائج التعصب:
1 – المتعصب اعمى, فهو لا يمكن أن يرى الواقع على حقيقته؛ لأنه يرى ما يميل إليه، ولا يرى ما يراه غيره، وإن كان ظاهرا للعيان لا يمكن جحوده، وبالتالي فأحكامه لا يمكن أن تكون وفق مقتضي الحكمة والصواب.
2 – اخطر ما يفعله التعصب هو قيامه بقطع النسيج الاجتماعي، ويوسع هوة الخلاف، ويقلل فرص التوصل لحلول ناجعة.
3 – والتعصب يحرض على لوي أعناق الحقائق, ويزيف الواقع، وبالتالي يحرمنا من التوصل للقرار السليم، وأن نخطأ في تقييم الأفراد وأطراف المجتمع.
4 – يفسد الوصول إلى الحق وإلى نتائج البحث العلمي الرصين، ويجعلنا نصل لنتائج غير دقيقة، ويحرم الأفراد والمجتمع من التقدم والرقي.
5 – يذكي النزاعات ويطيل أمد الخلاف والشقاق، مما يسهم في زيادة حدة التوتر والقلق.
التعليقات متوقفه