بث مباشر ….مشاهدة الأحداث الماضية !!!
هل نتمكن من فرصة العودة إلى الأزمنة الماضية، والتحكم ببثٍّ مباشر للأحداث؟
أ.د/ جودة مبروك محمد
هل نتمكن من فرصة العودة إلى الأزمنة الماضية، والتحكم ببثٍّ مباشر للأحداث؟
يبدو ما قلناه سؤالاً مستحيلاً، إلا في روايات الخيال العلمي، لكن في الغد قد يكون ممكنًا، فهناك توقعات بالقدرة على العودة عبر آلة تخترق حجب الزمان والمكان، فتضعنا على مقربة من أحداث القرون الماضية مهما بعدت أزمانها.
هذا ما يضعنا بإزاء إيجاد تفسير لفلسفة المكان والزمان بالنسبة للإنسان، فإنهما يوصفان بالنسبية، فهما متغيران بالنسبة إلى أهل الأرض، وربما هي النسبية بعينها التي أقرَّها العالم الألماني ألبرت أينشتين، فقد تتخطى كمًّا مذهلاً من التوقعات لتصل إلى العالم الجديد الذي سوف تحيا فيه البشرية، وباختصار شديد، فبعض الاختراعات الحديثة التي تتسم بالذكاء الاصطناعي، فتمكِّنُ الباحثين من الانتقال عبر الفضاء الخارجي حيث المجرات والنجوم والكواكب الأخرى، وتكون على أبعاد هائلة من كوكبنا العجوز، وبمعنى آخر، فإن الحدث الذي يتم الآن على الكرة الأرضية سيصل إلى هذه الأبعاد الكبيرة بعد آلاف السنين حسب البعد والقرب من الأرض، وهذا يعني أن الأحداث الماضية على كوكب الأرض يمكن مشاهدتها الآن أو مستقبلاً، والتحكم في رؤيتها حسب نوع المكان الذي يبعد عن الأرض، فقد تتمكن من رؤية الفراعنة، ومملكة سبأ وبابل بالعراق وغيرها من الأحداث التاريخية والأماكن الجغرافية القديمة جدًّا، كأنها بث مباشر ما يمنحنا الفرصة لكتابة التاريخ الجديد.
إنه من ضرورة التأكيد على أن نعرف أن الزمن الكبير لنا أمر نسبي، فإذا ما قلنا إن بدء البشر على سطح الأرض منذ عشرة آلاف عام مثلاً، فهذا زمن ضئيل جدا بالنسبة لوجود الكوكب الذي نعيش عليه، وحسابه يتوقف داخل حيز المكان الذي نحيا عليه، وهو ما يجعل رصده من خلال الكون الفسيح أسهل بكثير وبديهيًّا بآلات القياس القادمة.
هذا كله يتوقف على التقدم التكنولوجي لأجهزة الذكاء الاصطناعي وتوظيف الآلة الذكية في العبور نحو الفضاء الفسيح المتسع، فقد قرأت عن ريبوت ذكي يشق طريقه في المحيطات بأقل قدر من الطاقة، وهي أماكن لم يكن الوصول إليها ممكنًا في الزمان الماضي، والغريب أنها بدون أجهزة تحكم عن بعد، كما أن بعضها يتمكن من التكيف بسرعة هائلة في العالم الحقيقي.
ويذكر العلماء في هذا المجال أنه قد يتم إنتاج حاسب آلي ذكي جدًّا، وقد يكون ضمن مركبات غزو الفضاء الخارجي يعمل بشكل شبيه بدماغ إنسان، فيقوم مهندسو جامعة (إم آي تي) بتطوير شريحة ذات عشرات آلاف المشابك العصبية الاصطناعية، كما يذكر أنه تم اختراع شريحة حاسوبية تحاكي الدوائر العصبية لأنف الإنسان قادرة على شم الروائح وتمييزها، وهذا ما سيسهم في حل مشكلة الأعضاء الصناعية وقدرة الإنسان على التكيف معها.
فما نراه صعبًا وأحيانًا مستحيلاً في هذه الأيام، يبدو ممكنًا في المستقبل، فكما تصور الأقدمون باستحالة بعض ما نعيشه اليوم، إلا أنه تحقق ما هو أعظم منه.
من المؤكد أن الباب الذي سنمرُّ منه إلى العالم الجديد هو معالجة اللغات الطبيعية، فبقدر تمكننا من هذا العلم بقدر ما سنشارك في صناعة الأحداث القادمة.
لقد تمكن الإنسان من رؤية الماضي عبر روايات وحكايات وسجلات ووثائق وغيرها، وبعضها -وقد يمثل الكثير- ملفق وكاذب، وفيه تدخل للعواطف والعنصريات البشرية، ما سمح للحقائق أن تذوب وتنطوي، وأعطى الفرصة لصناعة الخدعة للبشرية، وهو ما سيتقلَّصُ عبر الرقمنة والذَّكاء الاصطناعي، في تحديد الواقع الماضي والحالي كما هو دون تزييف، فما حكاه الروائيون الواقعيون عن صورة الحياة في ثلاثينيات القرن الماضي قد يقترب من الواقع أو يبعد، لكنه ليس هو، وما صوَّرته السينما في فيلم صلاح الدين الأيوبي تصور لفريق العمل من وجهة نظر محضة، سواء حسبت لهم أو لكاتب التاريخ، لكنه قد يحيد عن بعض الأحداث الحقيقية التي حدثت بالفعل، ولا يعني هذا أنني أشكّ في مصداقية هذه الأعمال، ولكني أؤكد أنه أحداث تفتقر إلى الرؤية الكاملة المشبعة بالإحاطة من حيث التصور، فإن أي عمل أدبي أو فني يسقط مواقف ومشاهد تسهم في الحكم على الشخصيات وفي وضعها في إطار محدد من القيم، فلا نملك بالجزم على صحة مجريات هذه الأعمال قياسًا بتصوير الكاميرا لحدث مباشر، نراه رأي العين.
كل ما سبق يعني بإمكانية الذكاء الاصطناعي التوصل إلى التمييز الدقيق والملاحظة الأدقّ، وبالتالي الرصد عن بُعدٍ لكوكب الأرض وغيره، وربما يدرك العالم حقائق جديدة في مجاهل التاريخ وغماره ليست معروفة، وبالتالي نصحح نظريات كان مُسلَّمًا بها، وعلى الأمم التي لها تاريخ مشرف من النضال ومواجهة التحديات الإنجازية أن تطمئنَّ من حتمية الإنصاف لتاريخها من التلاعب بماضيها في إطار من العنصرية والبطولات الزائفة.
التعليقات متوقفه