التمرد على الأطر المتأصلة في الشعر العامي ومحاولات التجريب في قصيدة (قابليني تحت المشنقة) للشاعر ناجي عبد المنعم أنموذجًا.

472

         بقلم :د. أمل درويش

الشعر حريّة..

 (آه من الشعر.. هذا الكائن الساحر الخلاب.. منحة الموهبة الجزيلة وامتحان الحياة الصعب الواعر..)[1]

هكذا خطّ الشاعر أحمد فؤاد نجم مقدمة ديوانه الصادر عام 2005   ثم استطرد قائلًا: ( معنى الكلام إن القصايد الموجودة في هذا الديوان تقدر سيادتكم تسميها ­_الشعر الحر_ وأنت مستريح البال والضمير، لأن الشعر حرية!)

ثم يكمل مُعرّفًا الشعر الحر بأنه: (هو اللي بيطلع م القلب عدل أو يوصل للقلب عدل.)

ومن هنا ألتقط أطراف حروف المبدع أحمد فؤاد نجم لأنقل لكم رحلتي مع شاعر اليوم أو لنقل العمل محل دراستي.

في البداية دعونا نسترجع تاريخ الشعر العامي في مصر في لمحة سريعة، ولعل البدايات المعروفة حديثًا ( وأقول حديثًا لأن المصري القديم قد برع في كتابة الشعر باللغة المصرية القديمة) ونحن هنا إذ نذكر “الحديث” فنحن نتحدث عن عصر المماليك حيث ذُكر أن الشاعر أحمد بن عروس قد عاصر فترة حكم المماليك وله الفضل في ابتداع فن الواو أو المربعات ولن نتعرض هنا لأصل الشاعر ابن عروس لاختلاف الأقوال فيه، ولكن ما يهمنا في مستعرض دراستنا هو ما تركه هذا الشاعر من فن قد ظل باقيًا كتراث شعبي يتغنى به الشعراء والحكاؤون وخاصة في جنوب مصر.

ثم نجد الشاعر والكاتب عبد الله النديم وبيرم التونسي وفؤاد حداد وأحمد فؤاد نجم وعبد الرحمن الأبنودي وسيد حجاب وغيرهم من رواد الشعر العامي في مصر…  وصولًا إلى شاعرنا ناجي عبد المنعم.

ومن خلال استعراضنا السريع والتنقل بين روافد المبدعين السابق ذكرهم نجد أن مصر خلال القرنين الماضيين قد مرت بالعديد من الأحداث والصراعات سواءً في محاربة الاحتلال الإنجليزي والتحرر منه ثم مقاومة العدوان الثلاثي والكيان الصهيوني، أو من النُظُم السياسية المختلفة التي حكمت مصر وصولًا إلى المحطة الأخيرة التي تمثلت في ثورة 25 يناير، ورغم أن شاعرنا ولد قبل نكسة 67 بعدة سنوات قليلة إلا أن آثارها قد ألقت بظلالها على تجربته الشعرية وقد تشبعت حروفه بالروح الثائرة على الأوضاع والمتشبثة بالأمل في الحرية.


[1] ص7 الأعمال الشعرية الكاملة أحمد فؤاد نجم

ورغم إصرار الكثير من النقاد على نقد الشعر العامي بنفس طريقة نقدهم لشعر الفصحى إلا أننا نجد بعض النقاد قد أخذوا منحى آخر لنقد شعر العامية ومنهم نستحضر كلمات الناقد محمد علي عزب:(إن الحديث عن نشأة قصيدة النثر العامية والإقرار بأنها ثورة على صرامة البناء العروضي لقصيدة التفعيلة تمامًا مثلما فعلت قصيدة النثر في شعر الفصحى فيه نوع من التعسف والربط القسري، إن قصيدة النثر العامية حالة شعرية ذات مزاج خاص لا تلعب موسيقى الشعر العامي المعروفة _برغم مرونتها وتلقائيتها_ دورًا في بنائها ونقلها للمتلقي ويتوقف ذلك على الإحساس الداخلي للشاعر بأن الموسيقى صارت عبئًا على تجربته، ويستطيع أن يحقق شعرية جديدة ومختلفة بدونها.)[2]

من هنا نبدأ رحلتنا مع قصيدة (قابليني تحت المشنقة) من ديوان يحمل نفس العنوان والصادر في عام 2017

اتجه الشاعر ناجي عبد المنعم بفكره نحو مدرسة الوجدان الجماعي، هذه المدرسة التي يتحدث عنها الناقد والكاتب محمد مندور في كتابه فن الشعر فيقول:

(إن شعر الوجدان الجماعي أخذ يُجدد في صورة القصيدة العربية ومضمونها فيتحرر من وحدة البيت ليجعل من القصيدة كلها وحدة موسيقية متصلة متماسكة، ويلجأ في أحيان كثيرة إلى الأقصوصة الموضوعية والدراما القصيرة ليتخذ منها موضوعات لقصائده.)[3]

وها نحن منذ العتبة الأولى للنص وهي العنوان إذ يتفاجأ القارئ بهذا العنوان الصادم؛ فعلى ما يبدو للوهلة الأولى أن العاشق يَعِدُ معشوقته بموعدٍ أو لقاءٍ، ولكن أين يكون اللقاء؛ فهذه هي الصدمة (تحت المشنقة) ثم يكتب الشاعر تحت العنوان مباشرة هذه الجملة:

(ربما تلتقي روحينا في فضاءات أرحب وعالم آخر بعدما فشلنا في الالتقاء على كوكب الأرض.)

هذه الكلمات التي تؤكد أن مكان اللقاء بالفعل تحت المشنقة حيث سيودِّع العاشق معشوقته ويعدها بلقاءٍ آخرٍ في فضاءٍ أرحب بعدما استحال لقاؤهم على الأرض.

وما زلنا نترقب الولوج إلى القصيدة فنجد عنوانًا آخر: (مفتتح) ثم ينظم الشاعر عدة أبيات تنتهي بجملة العنوان (قابليني تحت المشنقة) ثم يُقسِّم الشاعر باقي أبيات القصيدة إلى ثلاثة أجزاء..

لا شك أن طريقة العرض تجعلك عزيزي القارئ تشعر وكأنك تتابع فصول مسرحية، فبعدما بدأ الراوي المفتتح؛ يصف لنا المكان والزمان فيقول:


[1] ص12 عن تحولات الشعر العامي بين التراث والمعاصرة  محمد علي عزب

[1] ص85 فن الشعر للكاتب والناقد محمد مندور 

بين طلعة الروح الأليفة من الجسد

ودخولها حلق المشنقة

ثم يفصح عن الحالة الشعورية وقتها فيقول:

جدلية الموت والحياة

ويصرح بالإشكالية التي قد تتبادر تلقائيًا إلى ذهن القارئ فيقول:

شكل الحياة في المنطقة التالتة الهلامية ابتدى

يرسم ملامح للوطن هنا من جديد

ويختم الافتتاحية بهذه الكلمات:

بين الحياة المغلقة

والمطلقة..

وعشان كده..

قابليني تحت المشنقة.

الفصل الأول:

ويبدأ الفصل الأول من المسرحية أو الملحمة بالمشهد الأول أو الجزء الأول من القصيدة؛ فيرسم بكلماته أجواء المشهد فيقول:

الليل بيفرض

معطيات العتمه-

وأما عن حالة الأبطال فيقول:

في عيون العمى

وهذا البطل الذي قرر الكتابة فوجد قلمه جافًا من الحبر فقرر ملأه فلم يجد سوى:

نزف جرح الجمجمة..

وحين بادر بالكتابة عن هذا الملحمة وجد الخريطة بشكل جديد:

متلحمة بالأكسجين

والنار بترسم للأوزون شكل الخريطة.

ونجد البطلة قد أطلق عليها اسم: الحيزبون فيصفها قائلًا:

كانت مجرد بنت من

طفي السجاير والدخان

ولكن في زاوية المسرح أو (على حافة الضلمة) كما قال الشاعر يبزغ الأمل وتعود الذاكرة فيقول:

ابتدى عقلي المغيب

يستعيد تفاصيل نهايات المشاهد

متسلسلة

ويتذكر البطل الأحداث السابقة قبل الموت وينتهي بتذكّره المرار والأسى الذي عاشه لسنوات، ثم ينتفض القلب وتنساب الروح مودعة.

الفصل الثاني:

يستدرك الشاعر حديثه عن معشوقته (وطنه) فيقول:

ولأنها كانت مجرد جمهورية على الورق

عمدانها خط ومنحنى

دستورها من

طفح الدخان

نجد أن الشاعر بكلماته الرمزية يصف لنا حال الوطن قبل ثورة يناير ليوضح لنا كم كانت هشة؛ فيصفها بأنها كانت جمهورية على الورق مرة، ومرة يصف دستورها أنه طفح الدخان، وشعارها كان وهم التمنى فاحترق.

ثم يصرخ البطل قائلًا:

أنا ها انتحر واقتل بنفسي

نفس نفسي

وهذا يوضح لحظة اليأس التي تمكنت من قلوب كل الشباب فقرروا نزول الشوارع والميادين مدركين خطورة هذا الموقف ومتفهمين أن ذلك ببساطة يُعدُّ انتحارًا.

ثم يستحضر شخصية زرقاء اليمامة وكأنها يئست من سماع قومها لتحذيراتها فآثرت السكوت فيقول:

زرقاء خلاص

شدت على-

كتافها الزمن

وبقت مجرد

دمية من-

غير اللسان

في متحف الشمع

الخرافي للوهن

الفصل الثالث:

وأما الجزء الثالث من القصيدة فيبدأ بعنوان القصيدة (قابليني تحت المشنقة) ويؤكد الشاعر المكان فَأتبَع الجملة بـجملة اعتراضية مختومة بعلامة تعجب:

– أنا قلتها- !!

ثم يوضح أسبابه فيقول:

من فرط نزفي وابتديت

أجمع فتافيت التمني للخروج

ثم يعود الشاعر لشرح المشهد وتوضيح الصورة فيقول:

واعقاب سجاير مارلبورو وL M

والتي ربما تعبر عن بقايا الخراب والركام الذي تركه المستعمر ثم يكمل:

وشيء من الوجع المسافر في الدخان

فوج بعد فوج

ونسجت كفني

من البياض

المستكين

لسذاجة النمل

المسجى للعلوج

وسحبت حبل المشنقة حوالين رقبتي..

ويكمل الشاعر القصيدة ليصف حالته في هذه اللحظات العصيبة فيقول:

أقرا على نفسي

البداية النرجسية

وما تيسر من قصار

أشعاري في الزمن المروج

وهنا يبدأ الشاعر في سرد عناوين بعض قصائده الثورية التي تكتسي بنفس الحالة الشعورية ثم يقول:

حطت رموشي

على الرموش

آخر بقايا

للوحة من

وهج الرتوش

من غير خطوط

أو منحنى

يقدر في لحظة_

عشق لتراب الوطن

يصنع جيوش

ونصل هنا لمفتاح القصيدة الذي ادخره لنا الشاعر ليكون المشهد الجلل حين اجتمعت كل الأرواح دون تخطيط ودون تمييز لفصيل أو اتجاه، اجتمعت كلها على حب الوطن الذي كان كفيلًا بتحركها وصنع جيوش تفتدي الوطن بروحها وتنتشله من مستنقع الفساد وتهيل عنه الركام والدخان.

ليهتف بعدها الشاعر:

قابليني تحت المشنقة

أنا وانتِ

صوت جاي_

من بعيد

رايح بعيد

لا الناس هاتقدر تفهمه

ولا تستطيع فك

الطلاسم من عليه

ثم يصف الشاعر معشوقته التي افتداها بروحه فيقول:

انتِ النقاء

كل الحروف المهملة

في لوحة الحياه

أو شبه جمله أعجميه

ف بيت من الشعر الجميل

ثم يصف نفسه ليقول:

أما أنا لوغاريتم

في شقوق الحساب

والهندسة

وينتهي الشاعر باستحالة اللقاء فيقول:

لكني في نهاية الرواية المستحيلة سفسطه!

انتي وانا

صنفين من

الزمن البعيد

متوازي أضلاع مستحيل

يتقابلوا تحت الشقشقة

وعشان كده

قابليني تحت المشنقة!!

كما ذكرنا في المقدمة أن الشاعر تحرر من القوالب المتعارف عليها في الشعر؛ فلا هو التزم بالشكل التقليدي للقصيدة الخليلية كما التزم بها عبد الله النديم في كتاباته في جريدته الأستاذ أو الشاعر بيرم التونسي، ولم ينتهج شكل الرباعيات كتجربة صلاح جاهين أو حتى الخماسيات أوالسداسيات؛ بل اختار الشعر الحر الذي قدمه فيما يشبه العرض المسرحي كما ذكرنا آنفًا ولا عجب فهو كاتب مسرحي قدير.

مظاهر البلاغة في القصيدة:

وكما تحدثنا عن الشكل البنائي للقصيدة، يطيب لنا الحديث عن الشكل البلاغي وما أورده الشاعر من ألفاظ وتعبيرات أثْرَتْ القصيدة وزادت من الموسيقى الداخلية التي انتشرت في جوانبها فأحيت المفردات وبعثت روح النضال والكفاح والتفاني في عشق الوطن.

يقول عبد القاهر الجرجاني في كتابه أسرار البلاغة:

(وأما رجوع الاستحسان إلى اللفظ من غير شرك من المعنى فيه، وكونه من أسبابه ودواعيه، فلا يكاد يعدو نمطًا واحدًا، وهو أن تكون اللفظة مما يتعارفه الناس في استعمالهم، ويتداولونه في زمانهم، ولا يكون وحشيًا غريبًا، أو عاميًا سخيفًا، سُخفه بإزالته عن موضوع اللغة، وإخراجه عما فرضته الحكم والصفة.)[4]

ومن هذه الكلمات نبدأ في سرد بعض مواطن الجمال في هذه القصيدة:

فنجد الشاعر قد استخدم الكثير من مفردات اللغة الفصحى ليثري النص، ولم يقتصر استخدامه على الكلمات العامية المتداولة مع الحفاظ على بساطة هذه الكلمات المستخدمة ليسهل على القارئ البسيط فهمها مثل: الأليفة، مُعطيات، أبجديات التًشهي والهوى، المُغيب، امتزج الوجيب، دُمية، ابتهاج المُفترق، المستكين، المُسجّى، وغيرها من مفردات اللغة العربية الفصحى التي تُثري النص وتفتح شهية القارئ العاشق للغة العربية وتفتح الطريق لفهم العامية المصرية لكل ناطق باللغة العربية من غير المصريين.

براعة الاستهلال:

وتعد من أهم أصول البلاغة في الشعر فيقول أبو طاهر البغدادي:

(وأما براعة الاستهلال فهي من ضروب الصنعة التي يقدمها أمراء الكلام ونقاد الشعر وجهابذة الألفاظ، فينبغي للشاعر إذا ابتدأ قصيدة ابتدأها بما يدل على غرضه فيها.)[5]

ونسترجع هنا بداية القصيدة بالمفتتح حيث قال الشاعر:

بين طلعة الروح الأليفة من الجسد

ودخولها حلق المشنقة

[1] ص6 أسرار البلاغة  أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني

[1] ص 116 قانون البلاغة في نقد النثر والشعر لأبي طاهر البغدادي

ليصف المشهد العام ويختصر القصيدة في هذه الكلمات البالغة الدقة والوصف لحالة البطل.

وها هو يتحدث عن انتقال الروح إلى “حلق المشنقة” وكأن المشنقة شخص يخطف روحه وينقلها إليه.

الطباق: وهو أن يأتي الشاعر بالمعنى وضده أو ما يقوم مقام الضد كما يصفه الشاعر الأديب أبو طاهر البغدادي في كتابه قانون البلاغة في نقد النثر والشعر، بأن (له شعبٌ خفية وشعابٌ غامضة وربما التبست به أشباه لا تبين إلا للنظر الصائب والذهن الثاقب.)[6]

ومن أمثلة ذلك نجد:

الموت والحياه، المغلقة والمطلقة (ويقصد الشاعر هنا المقيدة والمتحررة)، التشهي والهوى للولولة (ويقصد الشاعر الهدوء والدِعة وحالة التماهي في العشق وعكسها الصراخ والعويل)، باحلمه وعنيه لاتنين مفتوحين (حيث يستحيل الحلم والعيون مفتوحة وهي تعبر عن الآمال والأمنيات في أحلام اليقظة)، لحظة غباوة بفهم ترتيل الوهج (حيث يتناقض الغباء والفهم).

ابتهاج الحيزبون للمجروحين (حالة التناقض بين البهجة والجرح)، خط ومنحنى، اسفنج ومحار (حيث التضاد في خواص كل منهما ما بين الرخاوة والقسوة).

التجنيس أو الجناس: (فهو أن يأتي الشاعر بلفظتين في البيت إحداهما مشتقة من الأخرى ويسمونه المُطابق)[7]، والتجنيس يزيد في رونق الشعر ويحلي عاطل معانيه وهو عنوان الفصاحة وشاهد الاتساع في اللغة كما يقول الأديب أبو طاهر البغدادي.

ونجد الشاعر استخدم الكثير من هذه المفردات فمثلًا:

ملحمة.. ملحمتي متلحمة..

بنفسي نفس متنفسين ينافس نفسه

نور ونار

جا جتا..

ظا ظتا

الاستعارة والكناية: نجد الشاعر قد أضاف باقة من الاستعارات التي تثري القصيدة ومن أمثلتها:

* شكل الحياة في المنطقة التالتة الهلامية إبتدى: والمقصود بها هنا الفترة قبل الموت حين يتخيل العاشق لقاء معشوقته في مكان أجمل، وقد يقصد بها الشاعر فترة حياة البرزخ لذلك هو ترك المجال لمخيلة القارئ ليتخيلها كما يريد ولم يسهب في التوضيح.

[1] ص 85 قانون البلاغة في نقد النثر والشعر لأبي طاهر البغدادي

[1] ص86 قانون البلاغة  في نقد النثر والشعر لأبي طاهر البغدادي

* الليل يفرض معطيات العتمه: وقد صور فيها الليل حاكمًا مسيطرًا يفرض سطوته على كل من حوله ولا أحد يجرؤ على مخالفته.

* فكيت سذاجتي من فصول الملحمة: وقد شبّه الشاعر الملحمة بالقطار وأن سذاجة الشاعر كانت إحدى قاطراته التي يأخذها لمصير مجهول كناية عن القهر والسيطرة.

* بدأت أملى في القلم من نزف جرح الجمجمة: وهنا شبه الشاعر الدماء بالحبر الذي يفرغه الشاعر في قلمه ليسطر به فصول المأساة كناية عن العذاب والألم.

* والنار بترسم للأوزون شكل الخريطة من جديد: كناية عن القوة المسيطرة التي ترسم خريطة الوطن بالنار.

* جمهوية على الورق: كناية عن هشاشة الوطن وضعفه.

* عمدانها خط ومنحنى: كناية عن الفساد والضعف.

* أجمع فتافيت التمني لخروج: كناية عن ضآلة الأمل والحلم الذي تشظى وتشرذم ولم يتبق منه سوى فتات.

* نسجت كفني من البياض المستكين لسذاجة النمل المسجى للعلوج: كناية عن الضعف والإمعان في المذلة والقهر حتى وصل الأمر إلى تشبيه حالة البطل بحالة النمل الضعيف الذي يستلقي في وهن أمام بطش العدو.

* البداية النرجسية: كناية عن هذا الحلم الكبير الذي امتلأت به روح البطل وحالة الشجاعة التي سرت في شرايينه قبل أن يكتشف ضعفه في النهاية.

* أنا وانتِ كنا نقطتين بندور في دايرة مفرغة: استعارة تفيد استحالة اللقاء.

الالتفات: وهو أن يكون الشاعر في كلام، فيعدل عنه إلى غيره، قبل أن يتم الأول ثم يعود إليه فيتممه، فيكون فيما عدل إليه مبالغة في الأول وزيادة في حسنه[8]:

ومن أمثلة ذلك:

– في عيون العمى-

-أنا قلتها- !!

ائتلاف اللفظ والمعنى الإرداف:

(وهو أن يريد الشاعر دلالة على معنى من المعاني فلا يأتي باللفظ الدال على ذلك المعنى بل بلفظ يدل على معنى هو ردفه

وتابع له فإذا دل على التابع أبان عن المتبوع بمنزلة قول الشاعر)[9]

ومثال ذلك:

* شكل الحياه في المنطقة التالتة الهلاميه إبتدى..

وهذا يدل على عدم وضوح الرؤية وعدم وجود معلومات مؤكدة عن صفات هذه المرحلة.

[1]  ص110 قانون البلاغة في نقد النثر والشعر لأبي طاهر البغدادي

[1] ص 57 كتاب نقد الشعر لأبي فرج قدامة بن جعفر

*بنت من طفي السجاير والدخان..

هذا التعبير الذي يدل على أن الوطن منهك وقد أصبح مجرد دخان.

*لا اللوحة فاقت لاكتمال ولا تقدري تنهيها بشوية رتوش..

دلالة على العجز وخروج الأمر عن السيطرة. وبواطن الجمال والبلاغة في القصيدة نبعها لا ينضب ويمكننا استخراج المزيد مما عبر به الشاعر عن حالته الوجدانية الثائرة ضد كل فاسد وقبيح في وطنه الذي يتمنى أن يراه جميلًا.

الخاتــمة

وفي ختام دراستنا نخلص بأن مواكبة التطور والنمط المتغير للحياة لم ينل فقط من القصيدة التقليدية الفصحى فكما خرج من عباءتها القصيدة النثرية والشعر الحر، كذلك حدث التطور والخروج عن الأطر التقليدية للشعر العامي لتخرج لنا القصيدة العامية الحرة دون التقيد بالوزن والتفعيلة والقافية لتعبر عن روح الشعب الثائرة وتفصح عن مكنوناته دون تقييد فتكون موسيقاها نابعة من أنّاته وقافيتها هي أنفاسه، وهذا لا يُنقِص من قيمة الشعر العامي بل إن البعض اعتبره الأقرب إلى قلوب البسطاء والأكثر تعبيرًا عن واقعهم.

  • هذه الدراسة منشورة ضمن سلسلة رؤى نقدية الصادرة عن مؤسسة النيل والفرات للطبع والنشر.

المراجع

  • الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر أحمد فؤاد نجم دار ميريت
  • عن تحولات الشعر العامي بين التراث والمعاصرة محمد علي عزب الهيئة العامة لقصور الثقافة.
  • كتاب فن الشعر للناقد والكاتب محمد مندور مؤسسة هنداوي
  • أسرار البلاغة تأليف الشيخ عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد الجرجاني قرأه وعلق عليه محمود محمد شاكر دار المدني-  جدة
  • قانون البلاغة في نقد النثر والشعر للشاعر والأديب أبي طاهر محمد بن حيدر البغدادي تحقيق الدكتور محسن غياض عجيل مؤسسة الرسالة بيروت
  • كتاب نقد الشعر لأبي فرج قدامة بن جعفر

[1] ص7 الأعمال الشعرية الكاملة أحمد فؤاد نجم

[2] ص12 عن تحولات الشعر العامي بين التراث والمعاصرة  محمد علي عزب

[3] ص85 فن الشعر للكاتب والناقد محمد مندور

[4] ص6 أسرار البلاغة  أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني

[5] ص 116 قانون البلاغة في نقد النثر والشعر لأبي طاهر البغدادي

[6] ص 85 قانون البلاغة في نقد النثر والشعر لأبي طاهر البغدادي

[7] ص86 قانون البلاغة  في نقد النثر والشعر لأبي طاهر البغدادي

[8]  ص110 قانون البلاغة في نقد النثر والشعر لأبي طاهر البغدادي

[9] ص 57 كتاب نقد الشعر لأبي فرج قدامة بن جعفر

Visited 42 times, 1 visit(s) today

التعليقات متوقفه