الكاتب الكبير يوسف زيدان :رأى المسيحيون أن «يسوع» هو المسيح المخلِّص من الخطيئة الأولى، فآمنوا به
يوسف زيدان
تاريخ الديانة المسيحية.
فى القرنين الأول والثانى الميلاديين، ظهرت المسيحيةُ فى أنحاء العالم القديم (الهلال الخصيب وحوض البحر المتوسط) كلَهَبٍ سماوىٍّ انتشر فى هشيم المهمَّشين من الناس، يزفُّ إليهم بشرى «الخلاص» الذى كان حُلماً يهودياً قديماً، ظل يراود أجيالاً من اليهود الذين طالما انتظروا «الماشيح»، الذى سيحقق وعد (عهد) الربِّ لإبراهيم، ويصير ملكاً لليهود فى الأرض الممتدة من النهر إلى النهر، أو من النيل إلى الفرات..
وهما الخطان الأزرقان المرسومان اليوم فى العَلَم الأبيض لدولة إسرائيل، وبينهما نجمة «داوود» السُّداسية الشهيرة، التى يقولون إنها كانت شعار (داوود)، الذى هو عند اليهود ملكٌ عظيم، وعند المسلمين نبىٌّ كريم.
وكان للمسيحية، عند ابتداء انتشارها، أشكالٌ كثيرة، ترسم للسيد المسيح صوراً متعددة تتفاوت فيما بينها، فهو عند أولئك فيلسوفٌ غنوصىٌّ يصل بالتطهر إلى الحقائق السماوية، وعند هؤلاء رسولٌ من عند الله، أو هو ابن الله الذى جاء ليفتدى البشر ويخلِّصهم من خطيئة أبيهم آدم الذى عصى الربَّ، وأكل من شجرة (المعرفة) المحرَّمة على الإنسان..
وكاد يأكل من شجرة الخلود، فيصير كالآلهة! وهو ما أشير إليه فى الكتاب المقدس عند اليهود والمسيحيين، حيث قال «سفر التكوين» ما نصُّه :
«وقال الربُّ الإله، ها هو الإنسان قد صار كواحدٍ منا عارفاً الخير والشرَّ، والآن لعله يمدُّ يده ويأخذ من شجرة الحيوة أيضاً (شجرة الخلود) ويأكل فيحيا إلى الأبد، فأخرجه الربُّ الإله من جنة عدن، ليعمل فى الأرض التى أخذ منها.فطرد الإنسان وأقام شرقىَّ جنة عدن، الكروبيم (الملائكة الحرَّاس) ولهيبَ سيفٍ متقلبٍ، لحراسة طريق شجرة الحيوة.. (الكتاب المقدس، سفر التكوين، الإصحاح الثالث، الآيات 22 وما بعدها).
ورأى المسيحيون أن «يسوع» هو المسيح المخلِّص من الخطيئة الأولى، فآمنوا به وتناقلوا الأناجيل الكثيرة (إنجيل= بشارة) وراحوا بكل حماس يدعون الناس للإيمان به، وهو ما يُعرف فى المصطلح الكنسى بالكرازة (كرازة = تبشير) لكن اليهود لم يقتنعوا بأنه الماشيح، فحاكموه وسلَّموه إلى الرومان ليقتلوه، فصلبوه، حسبما يعتقد المسيحيون، أو شُبِّه لهم، حسبما يعتقد المسلمون.
وفى القرن الثالث الميلادى، انتشرت بأيدى الناس نسخٌ كثيرة من الأناجيل، منها الأناجيل الأربعة المعروفة اليوم «متى، مرقس، لوقا، يوحنا» وأناجيل أخرى، مثل إنجيل (يهوذا) وإنجيل (المصريين) وإنجيل (الطفولة) وغيرها.
وقد أدى اختلاف هذه النصوص، إلى فهمٍ مختلفٍ ومتباينٍ للديانة التى صار مجموع المؤمنين بها فى الربع الأول من القرن الرابع الميلادى، قرابة عشرة بالمائة من مجموع سكان الإمبراطورية الرومانية الواسعة.
وفى الربع الأول من القرن الرابع الميلادى، انتشرت آراء المفكر الكنسى الشهير «آريوس» الذى وفد إلى الإسكندرية من ليبيا (المدن الخمس الغربية) ثم أذاع أفكاره فى الشام، فآمن بها كثيرون.
وتتلخص أفكاره فى أن المسيح ليس إلهاً، وليس ابناً لله بالمعنى الحقيقى، وإنما بشكل مجازى، وفى إطار نظرية (التبنِّى) التى تطورت بعد ذلك، ولاقت قبولاً عند كثيرين.
وزمجرت كنيسة الإسكندرية اليونانية، ودعا أسقفها «إسكندر» إلى اجتماع دولى لرؤساء الكنائس الكبرى فى العالم، فانعقد المجمع برعاية ورئاسة الإمبراطور الوثنى قسطنطين سنة 325 ميلادية ببلدة نيقية الواقعة حالياً بتركيا (تسمى اليوم: أزنيق)
وتم فى الاجتماع طرد آريوس من حظيرة الإيمان، كما تم إقرار الأناجيل الأربعة، وتأكيد أن المسيح يعادل الله وروح القدس، وبالتالى سطعت عقيدة التثليث أو الثالوث المسيحى التى صيغت فى عبارة: الآب والابن وروح القدس إلهٌ واحدٌ، آمين (وليس: آمون)
وصارت المسيحية من بعد ذلك «المجمع» فريقين: هراطقةً (كُفَّاراً) من أتباع الآريوسية والمانوية والديصانية، ومؤمنين يسمُّون أنفسهم أتباع الكنيسة الكاثوليكية الأُرثوذكسية (كاثوليكية= جامعة، أرثوذكسية= الإيمان القويم أو العقيدة المستقيمة)
لكن الفريق الأخير انقسم على ذاته فى مرحلة تالية، عندما رفض نسطور (أسقف العاصمة الإمبراطورية بيزنطة) اعتبار القديسة مريم العذراء «أم الإله»
أو بحسب اللفظ اليونانى : ثيوتوكس.. وبالمناسبة، فإن كل هذه الاعتقادات والاختلافات العقائدية، كانت آنذاك تُصاغ باللغة اليونانية، وكانت كنيسة الإسكندرية: أيضاً يونانية اللغة والتفكير.
ثم انشقت الكنيسة الكاثوليكية (الجامعة) الأرثوذكسية (القويمة) على نفسها بسبب انتشار أفكار نسطور فى منطقة الشام والعراق، مع أنه طُرد من حظيرة الإيمان فى مجمع إفسوس سنة 431 ميلادية، فصارت الكنائس كالتالى :
هراطقة، نساطرة، أرثوذكس (=كاثوليك).. وبعد الانشطار الذى تم فى مجمع خلقيدونية سنة 451 ميلادية، بسبب الخلاف حول طبيعة المسيح، وهل هو (من) طبيعة إلهية، أم (عن) طبيعة إلهية؟
وهو الخلاف الذى أدى فى المجمع المذكور إلى ثورة رؤساء الكنائس على رئيس كنيسة الإسكندرية «الأسقف ديسقوروس» وإهانته بشكلٍ لا يجوز أن أذكره هنا بالتفصيل، احتراماً لذكرى هذا الرجل.. صارت الكنيسة الأرثوذكسية (=الكاثوليكية) قسمين متنازعين :
أتباع خلقيدونية أو كنيسة اليونان وبيزنطة وروما = الروم الأرثوذكس) وأتباع ديسقوروس أو كنيسة اليعاقبة نسبةً إلى يعقوب (البرادعى) أو كنيسة الطبيعة الواحدة المسماة «المونوفستية» وهى التى يُشار إليها اليوم، مجازاً، بالكنيسة القبطية.. وكانت هناك، أيضاً، كنيسة أرثوذكسية فى الشام، هى المسماة اليوم كنيسة الأرثوذكس السريان..
وبعد الانشطار الأعظم الذى حدث فى حدود سنة 1054 ميلادية اختص أتباع كنيسة روما باسم (الكاثوليك)، وهم الذين انشطر منهم فى القرن السادس عشر الميلادى كنيسة (البروتستانت).. بينما اختص أهل الكنائس المصرية واليونانية والشامية باسم (الأرثوذكس) وتوزَّعوا على ثلاث كنائس :
الأرثوذكس السريان، الأرثوذكس الخلقيدونيين (الروم)، الأرثوذكس اليعاقبة (المونوفستيين)
اقرأ أيضا للكاتب
الحضارة العربيةُ الإسلاميةُ ، فى أساسها العميق حضارةٌ روحية والحضارة الأوروبية قامت علي العقل ونهب ثروات الشعوب غير الأوروبية
يوسف زيدان يا قوم .. كفاكم هَرَجًا وسَبَهْلَلةً :المعراج ليس موجود في القرأن
يوسف زيدان: والدة عمرو بن العاص كانت من أصحاب الرايات ومن أرخص بغايا مكة أجرة
التعليقات متوقفه