نبيل عمر
بقدر ما أرفع القبعة وأصفق كثيرا هاتفا بأعلى صوت برافو للنجم ياسر جلال وهو يلعب دور عمره فى مسلسل الاختيار3، فى وجود ثلاثة من ألمع نجوم الشاشة المصرية أحمد عز وأحمد السقا وكريم عبد العزيز بترتيب حروف الهجاء وبجوارهم القدير ذو النكهة الخاصة خالد الصاوى، بقدر ما أشد على يد المؤلف هانى سرحان وأشيد بالسيناريو البديع الذى كتبه، فالورق هو الأساس فى أى عمل جيد يجمع عليه المشاهدون، وطبعا مع مخرج فى غاية الموهبة والتمكن والتجديد هو بيتر ميمى. لكن أتوقف عند التأليف لأسباب كثيرة، أصعبها أن المؤلف تعامل مع واقع ساخن لم تبرد أحداثه بالرغم من مرور ما يقرب من تسع سنوات عليها، ومازالت نتائجها تبدل وتعدل فى هذا الواقع، حتى وإن اختار منها بضعة أشهر أو بضعة أسابيع أو بضع ساعات.
هذا أشق أنواع الكتابة الدرامية، لأن عبور ألغام الواقع بحقائقه الدامغة إلى عالم الفن بأخيلته السابحة عملية محفوفة بالمخاطر لا يستطيع كثرة من الكتاب فعلها دون أن يطأ على لغم هنا أو هناك، وهى ألغام فنية وليست سياسية على الإطلاق، ألغام تحول العمل الفنى إلى وثيقة تسجيلية، والفارق بينهما هائل، فالفن قرين المتعة، والتسجيل قرين الوقائع، فكيف يمكن الجمع بينهما دون السقوط فى الخطابة والكلمات الزاعقة والمشاهد الساكنة؟ قطعا للمخرج الموهوب دور أساسى فى الإيقاع والتشويق. وأكثر ما شدنى فى الكتابة هو توقع الصدام بين جماعة الإخوان أفرادا وتيارات والدولة المصرية شعبا وجيشا، صحيح أن المسلسل يرصد ذلك الصدام بعد سنوات، لكن الصدام كان حتميا منذ وصول الإخوان إلى السلطة، فرضته حقائق التاريخ وأدبيات الجيش المصرى، نعم لم يكن الصراع أبدا بين الإخوان وقادة المؤسسة العسكرية، لا فى 2013، ولا فى 1965، ولا فى 1954، بل مع الدولة شعبها وجيشها..والتاريخ هو شاهد الإثبات الأول، ألم يدفع حسن البنا حياته فى صدامه مع الدولة أيام الملكية فى غياب المؤسسة العسكرية؟، ماذا نسمى صدام الإخوان لفترة اقتربت من عشرين سنة مع حزب الوفد صوت الأمة المصرية؟، كيف نفهم اشتباكات طلبة الإخوان فى الجامعة المصرية فى الثلاثينيات مع زملائهم فى كليتى الحقوق والآداب ورصدها العبقرى نجيب محفوظ فى رواية السكرية الجزء الثالث من ثلاثيته الشهيرة؟
لقد وصف المؤرخ عبد الرحمن الرافعى عنف الإخوان أيام الملكية بعبارات قاطعة: أن هذا العنصر فى هذه الجماعة كان يرمى من غير شك إلى أن يؤول إليها الحكم، ولعلهم استبطأوا طريقة إعداد الرأى العام لتحقيق هذه الغاية عن طريق الانتخاب، فرأوا أن القوة هى السبيل إلى إدراك غايتهم. إذن نحن نتحدث عن صدامات ممتدة عمرها أكثر من 70 سنة وليس تسع سنوات فقط؟ فما الجديد فى المرة الأخيرة؟ انزلق الإخوان إلى الصدام مبكرا، بوعى شديد، حين مارسوا دور الورثة الشرعيين للانتفاضة الشعبية فى 25 يناير2011، فقرروا أن يقطفوا ثمار الورث كاملا وسريعا، والوريث يتصور أن له حق التصرف فى الأملاك والامتيازات والتركات التى يفترض أن الرئيس السابق وجماعته الحاكمة تركوها خلفهم، وخلطوا بين أمرين السلطة والورث، السلطة تحددها معايير عامة فى التصرف، ولها أطراف فاعلة مشتركة: مؤسسات وجماهير، الورث له معيار يمتلكه الوارث منفردا ويتصرف فيه كيفما يشاء. وبهذه الوراثة تصوروا أنهم يعالجون أخطاء ارتكبوها بعد ثورة 1952، حين أجلوا الصدام مع السلطة الجديدة إلى عام 1954، إذ ظنوا أنهم شركاء ويستحقون نصيبا فى هذه السلطة يحددون هم مقداره، لمجرد أنهم عرفوا بأمر الثورة ليجهزوا متطوعين على طريق السويس لمواجهة احتمالات تدخل القوات الانجليزية القابعة فى قاعدة قناة السويس، لكن كان جمال عبدالناصر قد تمكن من السيطرة على الشارع، فتخلص منهم.
إذن فى هذه المرة لا تأجيل لمطالبهم، ولا يغادر أعضاء الجماعة والتيارات المؤيدة لهم من السلفيين والجماعات الدينية الأخرى الميادين إلا بعد التحكم والحكم، خاصة أن المجلس العسكرى بدأ متعاونا معهم مستجيبا لتلك المطالب، من أول لجنة تعديل الدستور المعطل فعلا إلى الإعلان الدستورى، ثم مال معهم إلى الانتخابات البرلمانية أولا بدلا من الدستور أولا حسب رغبتهم.
فى الحقيقة كان المجلس العسكرى بقيادة المشير حسين طنطاوى حصيفا للغاية وأكثر حنكة وفهما للأوضاع الصعبة التى تحيط بالبلاد، واختار أن يستوعب إحساس الإخوان بغرور القوة وتصورهم أن زمن التمكين قد حل، حتى لا تتصاعد وتيرة العنف إلى درجةٍ تتفكك معها الدولة، فمد لهم الحبال ليشنقوا أنفسهم بها، مستغلا أطماع التيار الدينى فى الاستحواذ على كل شيء فى أسرع وقت ممكن، وتحمل غباءات كثيرة ومنها محاولات فك الارتباط بين الشعب والجيش وتحريض الغوغاء والفوضويين على الهتاف بشعارات ضده.
قطعا لم يرتح الإخوان إلى هدوء الجيش معهم وتجنب الصدام بهم، وخططوا للتخلص من المشير طنطاوى، واستغلوا عملية اغتيال 16 جنديا بسيناء ساعة الأفطار فى رمضان، وعزلوا المشير طنطاوى وأحدثوا تغييرات كبيرة فى قيادات المجلس العسكرى، وقد أشار المسلسل إلى دور للجماعة فى هذه المذبحة، وهو دور لم يصدقه البعض، ويبدو أنهم لم يسمعوا بتقرير اللواء مراد موافى رئيس المخابرات العامة وقتها إلى محمد مرسى يحذر فيه من خطورة الوضع فى سيناء، وأن عملا إرهابيا كبيرا يجرى الإعداد له حاليا لم يصل بعد إلى تفاصيله. نسى الإخوان وهم يعزلون المشير طنطاوى طبيعة الجيش المصرى، وأنه جيش وطنى انتماؤه الأول والأخير لشعبه، وهو كتلة واحدة لا يمكن تقسيمه أو اللعب معه بالجزرة والعصا، وأن تركه فقط ستكون لحماية شعبه وبلاده من إشعال النار فيه. وهذا واحد من أهم دروس الاختيار3.
اقرأ أيضا:
بعد عرض أولى حلقاته مسلسل « الاختيار3 » يحتل صدارة التريند العربي
التعليقات متوقفه