التعليم عن بُعْدٍ وطبيعىة التجاذب بين التقليد والتجديد والأُطُر القانونية

1 838

كتب – أ.د/ جودة مبروك

احتفظ المفهوم والنظام لنُظُمِ التعليم بصورة ذهنية لا نكاد نتعداها أو نتخطاها أو نتصوَّر بديلاً عنها، فارتبطت بمجموعة الممارسات التي تتم داخل الصف أو القاعة من أفعال وأقوال، فلا نعتقد بأن وجود الطلاب في الفناء أحد أشكال التعلُّم، أو جلوسهم على مواقع التواصل تدخل ضمن إطار هذه المفاهيم أو ما إلى ذلك، ذلك لأنه النمط المحفوظ خطأً لمفهوم التعليم، ومثل هذه المعتقدات لا تتغيَّر في سَوادِ المجتمع إلا طرأ في العامِّ ما يشبه الهزَّة المربكة التي تقتلعها وتغيِّرها،

مثلما حدث في زمن كورونا، ففرض ذلك الوباء العالمي نمطًا جديدًا من أنماط التعليم، وهو التعليم عن بُعْدٍ، عبر منصَّات مخصَّصةٍ لذلك، وذلك يستلزم تغييرًا ليس فقط في المفهوم والمعتقد بل في القرارات العليا للهيئات والمؤسسات التي تضطلع بالمسؤولية، وكان من المفيد في هذا السياق الحياتيّ للأممِ قاطبةً من الاعتراف بهذا النمطِ بوضع ضمانات كافية لجعل التعليم عن بعدٍ مساويًا إلى حدٍّ ما بالتعليم الحضوريِّ،

وإن فشلت بعض فروع هذه المؤسسات التعليمية في تنفيذه وفي الوفاء بمتطلباته بشكله الصحيح، إلا أن بعضًا منها كان أسعدَ حظًّا فنجحَ بنسب متفاوتةٍ بما توافر بين يديه من إمكانات مادية وتقنية وبشرية في تصعيده وتطويعِهِ طريقًا نحو الشكل الجديد لعلميات التعليمِ، وقد سجَّلت بعض المؤسسات نجاحًا وتميُّزًا في استقطاب عقول معهود لها بالحيازة العلمية فحاضرتْ عن بعدٍ، واندمجتْ في المكوِّن التعليمي والمؤسَّسي، وصدق المثل: رُبَّ ضرَّةٍ نافعةٌ، أو “لكورونا عند قومٍ فوائدُ”.

وتظل الاستجابة الإيجابية من المحن والمعوِّقات البيئية والحضارية في النظم التعليمية بطيئةً بوجْهٍ عامٍّ، فبمجرد ما انتهى الوباء وعادت الحياة إلى مجاريها في المدارس والجامعات أسقطَت الكثير من المؤسسات التعليم عن بعد من حساباتها، وحلَّ محلَّه التعليم الحضوري التقليديّ كما كانَ، ولا يكاد يتجاوز ذلك إلا في المؤتمرات الهجين أو الاجتماعات الاضطرارية للمؤسسات أو الأفراد،

ولم تطرح الجهات العليا كاتحاد الجامعات العربية أو جامعة الدول مسوَّدة نظام أو قانون لآليةٍ جديدةٍ للتعليم يضمن التطوير المستمر في الكيفية والأداء، أو التنسيق بين الدول والأنظمة السيادية في العناية بالمستجدات العصرية والإفادة من ثورة الذكاء الاصطناعيّ على ما كان ينبغي بأن يُطْرَحَ على الدول الأعضاء أو المؤسسات التي تشترك معًا اعترافٌ بخرِّيجِ النوع الجديد من التعليم الذي يسمح بالتعليم عن بُعْدٍ؛ حيث إنَّ الخريج لهذا النوع من التعليم يحتاج إلى الاعتراف بشهادته دون نقص أو خذلان له عن أمثاله من خرِّيجي التعليم الحضوريّ.

وقد اقترح الدكتورهشام منصان رئيس نقابة مستشاري التحكيم الدولي  ضرورة وضع قانون موحَّدٍ ينظِّم التعليم عن بُعْدٍ، فيُحدِّدُ الضوابط العامة ويُنظِّمُ الاختبارات واللوائح الدراسية، ويلحق به لائحة تنفيذية توضِّح به آليات إنشاء المؤسسات أو الكيانات العاملة في هذا المجال مع وضع بروتوكولات مع دول العالم من خلال المنظّمات الدولية بقصد اعتماد الدرجات العلمية والشهادات الدراسية الصادرة عن المؤسسات العاملة بنظام التعليم عن بُعْدٍ.

إن ما حدث في عام 2019م وما تلاها من حتمية اتخاذ نظام التعليم عن بعد لَيُوجِبُ أن تستمر يد التطوير والتحسين والتقويم لهذا النظام، ولا ينبغي مقاطعته بالكليّة، ويتطلب الموقف أن يُعادَ النّظرُ للأنظمة التعليمية وتشريعاتها، مما ينعكس على أثره تغييرٌ في اللوائح الدراسية وسنُّ القوانين، مع حتميَّة التطبيق لهذا النظام في بعض المقررات والمضامين خاصة النظرية منها والعامة التي تمثل متطلبًا جامعيًّا أو إقليميًّا، وبما يتدخل في الاستعانة ببعض العقول المتميزة في مكان آخر خارج القُطر أو الإقليم، وليس بأساس أن يمر ذلك التغيير بشكل مفاجئ، بل يمكن أن يطبق بشكل تدريجيٍّ.

أ.د/ جودة مبروك

أستاذ النحو واللسانيات

وعميد كلية الآداب السابق بجامعة بني سويف

اقرأ أيضا للكاتب
أ.د/ جودة مبروك يكتب: «إنسانية الإنسان في السنة النبوية.. قيم كونية وضوابط شرعية» ندوة دولية بجامعة الوصل بدبي
أد/ جودة مبروك يكتب:(عظمة الابتكار) : مسرحية في جامعة الوصول بدبي
أ.د/ جودة مبروك محمد يكتب: كتاب النصوص يُخَطِّئُ أمير الشعراء 
الدكتور جودة مبروك يكتب.. (الفذلكة) في وضع الاختبارات العامة

Visited 122 times, 1 visit(s) today
تعليق 1
  1. أ.د/عمر فرج يقول

    رائع

اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق