حوار :خالد محمود
تُعدّ الأديبة العراقية ليلى عبدالواحد المرّاني واحدةً من الأصوات الأدبية البارزة التي استمدت روحها من التراث العراقي والقصص العائلية التي تركت بصمةً عميقة في مسيرتها الإبداعية.
وُلدت ليلى في بغداد وتخرجت من كلية التربية بجامعة بغداد حاملةً بكالوريوس في اللغة والأدب الإنجليزي، وأمضت سنوات عديدة تُدرّس في ثانويات بغداد قبل أن تضطر للاغتراب عن وطنها بسبب الظروف الاستثنائية التي عانى منها العراق.
رغم انقطاعها لفترة عن الكتابة، لم تخمد جذوة الأدب بداخلها، فعاودت الكتابة بعد استقرارها في الدنمارك، حيث وجدت فضاءً جديدًا من الحرية وحنينًا متقدًا للوطن والذكريات.
تميزت ليلى المرّاني بأسلوبها الفريد الذي يتناول قضايا المهمشين، خاصةً المرأة، ويسعى إلى طرح قضايا إنسانية عميقة من خلال قصصها التي نشرتها في مجلات دنماركية وسويدية وعربية.
وقد أثمرت مسيرتها الأدبية ثلاث مجموعات قصصية، أبرزها “وشمٌ في ذاكرتي“ و*”رائحة الأمكنة”*، إضافة إلى ترجمة أعمالها إلى لغات عدة، مثل الإنجليزية والروسية والفرنسية، مما يؤكد تأثيرها وعمق رؤيتها الأدبية.
كما بدأت مؤخرًا بكتابة الرواية وتخطط لإصدار المزيد من أعمالها، بما في ذلك قصص الأطفال والنصوص القصيرة جدًا، لتواصل استكشاف عوالم الكتابة والأدب بروحٍ متجددة.
في هذا الحوار الخاص لـ “الجمهورية والعالم”، نتعرف على جوانب من تجربتها الأدبية، ورحلتها من بغداد إلى الدنمارك، وما قدمته تلك المسيرة من الهامات ورؤى في كتاباتها المتعددة.
كيف كانت تجربتك الأولى مع الكتابة؟ وهل كانت هناك عوامل محددة ألهمتك في كتابة القصص القصيرة أثناء دراستك الجامعية؟
– كنت أكتب القصة القصيرة مذ كنت في مرحلة الدراسة المتوسطة والثانوية، إذ كنت أكتب مواضيع الإنشاء على شكل قصة، وهذا ما كان يثير دهشة وإعجاب مدرساتي في اللغة العربية، ثم واصلت كتابة القصة أثناء دراستي الجامعية، وكنت أنشر كتاباتي في المجلة الأدبية التي كانت تصدر في الكلية، وكنت أستلهم قصصي من تراثنا العراقي، ومن القصص التي كانت ترويها لي أمي – رحمها الله -، وأيضاً متابعتي لما يدور حولي من أحداث، وقمت أيضاً بترجمة قصص قصيرة من الأدب العالمي من وإلى اللغة الإنجليزية.
ذكرت أنك توقفتِ عن الكتابة لفترة طويلة بسبب ظروف استثنائية. هل يمكنك إخبارنا عن تلك الفترة، وكيف أثرت على عودتك إلى الكتابة في الدنمارك؟
– الظروف القاسية التي كان يمرّ بها العراق أولًا، ثمّ ظروفي الخاصة بعد الزواج ومسؤولية العمل والأولاد، والخوف من زجّ قلمي في أمور لم أكن أرغب في الكتابة عنها، حيث كان فضاء الحرية في الكتابة محدودًا، وعدت للكتابة بعد انقطاع طويل حين أستقر بي المقام في الدنمارك، حيث وجدت فضاء واسعاً من الحرية، والدافع الأول والأخير هو حنيني الجارف لوطني، وذكريات طفولتي وشبابي التي تركتها في أرض الشمس والنخيل.
كيف ساعدك الانتقال إلى الدنمارك على تطوير رؤيتك الأدبية، وهل تأثرت كتاباتك بالتنوع الثقافي في الدول الإسكندنافية؟
– في الحقيقة لم تتأثر كتاباتي بالجو السائد في الدنمارك، فأنا لي خطّي وأسلوبي الذي اتخذته في الكتابة، كتبت وما زلت أكتب عن معاناة المهمّشين في وطني، وخاصةً المرأة، هنا في الدنمارك مثلًا، لديهم مساحة واسعة من الحرية والتفتّح تساعدهم في الكتابة بصراحة متناهية، أما نحن، وخاصة القادمون من أصول عربية، نظلّ خلف عائق من الحياء والتوجّس الذي ورثناه في الكتابة بشكل حرّ تمامًا وصريح.
لقد نشرت نصوصك في مجلات دنماركية وسويدية تصدر باللغة العربية، كيف تقيمين ردود الفعل تجاه أعمالك في هذه البلدان، مقارنةً بالصحف والمجلات العراقية والعربية؟
– كانت بداية عودتي للكتابة حين نشرت في مجلات تصدر في الدنمارك والسويد، وكانت بدايات متواضعة، ولم أنشر الكثير في تلك المجلات، وقد لاقت استحسانًا من المتابعين، وانطلاقتي الحقيقيّة كانت في المواقع الألكترونية والمجلات والصحف العراقية والعربية، حيث أصبح لي رصيد كبير من المتابعين.
نالت أعمالك عدة تكريمات واهتماما نقديا، كيف تعاملت مع تلك الانتقادات، وهل كانت لها تأثيرات على أسلوبك أو توجهاتك في الكتابة؟
– صحيح، نالت أعمالي الكثير من التكريمات والقراءات النقدية لنقّاد أكاديميين مهمّين ومعروفين، وكنت أتقبل كل ما يكتب عن نصوصي سلبًا وإيجابًا، ولكنني في بعض الأحيان وكما كتب عني ناقد مصريّ معروف أكنّ له كل الاحترام والتقدير، بأنني أتخذ موقفاً صارماً في الدفاع عن نصي إن وجدت ما كُتب عنه غير صائب، ولكنني شديدة الحرص والاهتمام بآراء النقاد المعروفين، والحمد لله جميع القراءات النقدية جاءت منصفة لنصوصي.
تُرجمت بعض نصوصي إلى لغات أجنبية مثل، اللغة الإنجليزية، والفرنسية، والروسية ، والبرتغالية.
أصدرتِ عدة كتب، منها ” وشمٌ في ذاكرتي ” و ” رائحة الأمكنة ” . هل يمكنك توضيح كيف تتعاملين مع فكرة الذاكرة في كتاباتك؟ وهل تعتبرينها مفتاحًا لفهم ذاتك الأدبية؟
– في الحقيقة، صدرت لي ثلاثة مجاميع قصصية: (وشمٌ في ذاكرتي )، ( رائحة الأمكنة )، والمجموعة الثالثة ( دفء في بلاد الثلج )التي صدرت في مطلع العام الحالي، وكما تفضّلتَ، الذاكرة بالنسبة لي هي الباب التي أنطلق منها في عالم فسيح من الكتابة، إذ يعتمد الكثير من نصوصي على ما أختزنه في ذاكرتي من أحداث سمعتها أو عايشتها، وهناك بالتأكيد نصوص كثيرة أنسجها من الخيال. الذاكرة بالنسبة لي هي المَعين الذي لا ينضب، وهي المفتاح الذي أستعين به في كتاباتي.
تحدثتِ عن الوشم كرمز في ذاكرتك، وللوشم دلالات ثقافية متعددة. كيف تجدين العلاقة بين الجسد والذاكرة في أدبك؟ وهل تعتقدين أن تلك الدلالات الثقافية تسهم في تعزيز رسائلك الأدبية؟
– بالتأكيد العلاقة بين الجسد والذاكرة تسهم كثيراً في نجاح كتاباتي، مضافًا إليها شيء من الخيال، والوشم لما له من دلالة في تراثنا، حيث يرمز إلى البقاء والثبات رغم مرور الزمن، ولهذا ساهم هذا الوشم الذي حُفر في ذاكرتي، على استذكاري لكثير من الأحداث والقصص منذ طفولتي، فكتبت عنها.
لقد كتبت قصصًا قصيرة جدًا، خاطرات، وومضات. ما هي التحديات التي تواجهينها في هذه الأشكال الأدبية القصيرة؟ وكيف تتمكنين من إيصال أفكارك بتركيز وعمق في هذا النوع من الكتابة؟
-صحيح انني كتبتُ قصصًا قصيرة جدًا وخواطر، وومضات، وأحيانًا مقالات أدبية، ولكنني لا أجد نفسي فيها، فالقصة القصيرة هي ملعبي، ولا أدري إن كنت أوصلت أفكاري بوضوح وعمق في هذه الأصناف من الأدب، وخاصة القصة القصيرة جدا، كما أفعل في القصة القصيرة، فالقارئ الكريم هو من يحدد ذلك.
تطرقتِ في بعض قصصك إلى موضوعات اجتماعية حساسة، مثل العنوسة والمجتمع الذكوري. كيف تعبرين عن قضايا المرأة العربية من خلال القصص القصيرة، وهل تجدين أن الأدب أداة فعالة للتغيير المجتمعي؟
– للمرأة العربية، وخاصةً العراقية، الحصة الأكبر في قصصي، فأنا أقارنها بالمرأة الغربية وما وصلت إليه، حيث تقف على قدم المساواة مع الرجل، أجد أن المرأة العربية لا تزال مكبّلة بالقيود، حتى وإن نالت بعضًا من حقوقها، ولهذا أتناول مشاكلها ومعاناتها في نصوصي.
بالتأكيد أجد أن الأدب أداة فعالة للتغيير المجتمعي، وقد ساهم كثيرًا في ذلك، ولهذا أدعو إلى حرية الكتابة لكلا الجنسين، على أن تكون هادفة وذات رسالة.
ما هي مشاريعك القادمة؟ وهل لديك خطط لإصدار أعمال جديدة أو توسيع نشاطاتك الأدبية نحو مواضيع جديدة؟ حدثينا عن الفرق بين المرأة العربية والاوربية.
– بدأت بكتابة الرواية، في الحقيقة بدأت بكتابة روايتين، ولكنني توقفت الآن عن الاستمرار فيهما بسبب الظروف الراهنة التي نمرّ بها جميعاً، والتي ( شلّت ) يدي وقلمي، أتمنى أن تتحسن الظروف وأعود للكتابة فيهما من جديد.
أما عن المقارنة بين المرأة العربية والاوربية، فقد ذكرت ذلك في سؤال سابق، وأضيف بأن المرأة العربية تمتلك الكثير من المهارات والذكاء الذي يؤهلها لتبدع لو نالت حريتها كما يجب، فهي لا تقلّ كفاءةً عن المرأة الغربية، ولكن المرأة الغربية نالت الكثير من الحرية والمساواة ؛ فأعطت الكثير.
وأخيرًا، ما هي نصيحتك للكتاب الشبان الذين يرغبون في اقتحام عالم الأدب، خاصة في ظل التحديات التي يواجهونها في مجتمعاتهم أو في المهجر؟
– في الحقيقة أنا أكره النصائح، ولست في موقع يؤهلني أن أسدي نصيحةً لغيري، ولكن ما أستطيع قوله للكتاب الشباب أن يكونوا أكثر التزامًا والتصاقا بمجتمعاتهم، وأن يولوا الإنسان العربي ما يستحقه من اهتمام في الكتابة، أن لا يلهثوا وراء الشهرة، فالشهرة حتماً ستأتيهم راكعةً من خلال كتاباتهم الملتزمة والصادقة.
وأخيرا ، كل الشكر والتقدير أستاذ خالد على هذا الحوار الصحفي الشيّق، وأتمنى انني وُفقت بعض الشيء في إجاباتي.
اقرأ أيضا:
الدكتورة عايدة الجوهري لـ«الجمهورية والعالم»: نوال السعداوي عززت فيّ روح التمرد
القاصّة فاديا عيسى قراجة لـ«الجمهورية والعالم»: “أضع الرجل والمرأة تحت مجهر كتاباتي، كلاهما ظالم ومظلوم، وكلاهما يلهمان الجمال”
التطور الثقافي وذهنية التحريم: تحليل شامل مع يوسف هريمة
“رؤية جديدة في عالم الأدب: الكاتبة أمل درويش تحكي قصتها وتشارك تجاربها”
“من الحب والشغف إلى عوالم الترجمة والشعر: قصة أمل الشربيني
“تأملات فنية: البحث عن العمق والمعنى في أعمال الفنانة اللبنانية هناء عبد الخالق”
من رسم العيون إلى رسم الكلمات: قصة شغف سلوى إدريسي بالكتابة