الكاتبة العراقية سحاب رزاق : نصوصي تعكس فلسفتي في مواجهة الموت بالأمل والحرب بالحب
المسرح المصري ملهمٌ لنا جميعًا.. وحاضنٌ للقضايا الإنسانية العميقة
حاورها الناقد: خالد محمود
في عالم الأدب والمسرح، هناك أسماء نادرة تتمكن من ترك أثرٍ لا يُمحى في الوجدان والذاكرة. من بين هذه الأسماء تبرز الكاتبة المسرحية العراقية سحاب رزاق الماضي، التي استطاعت بجرأة نصوصها وعمق معانيها أن تُثبت مكانتها كصوتٍ مميز يعبر عن القضايا الإنسانية بصدق وإبداع.
بفوزها بجائزة أفضل نص مسرحي عن عملها الاستثنائي “نيكروفيليا”، قدمت “سحاب” نموذجًا يحتذى به في تسليط الضوء على القهر الاجتماعي والحروب وتأثيراتها النفسية، مؤكدةً على قوة الكلمة في مواجهة واقعٍ قاسٍ.
في هذا الحوار الذي أجرته معها صحيفة الجمهورية والعالم، نتعمق في رؤيتها لواقع المسرح العراقي والعربي، ونتعرف على فلسفتها الفنية التي تمزج بين القضايا الإنسانية والدفاع عن حقوق المرأة. كما نناقش تأثير الأدباء المصريين، مثل توفيق الحكيم ويوسف إدريس، في مسيرتها، ونبحث معها في دور المسرح في محاربة الإرهاب وصناعة التغيير المجتمعي.
بحديثٍ يتسم بالصدق والرؤية الثاقبة، تكشف لنا الكاتبة سحاب رزاق الماضي عن التحديات التي يواجهها المسرح العراقي، الحاجة الماسة لتطوير البنية الثقافية، والدور المحوري للفن في تشكيل وعي الشعوب.
إليكم تفاصيل الحوار
كيف شعرتِ عند فوزك بجائزة أفضل نص مسرحي عن “نيكروفيليا”؟
– شعرتُ بمزيجٍ من الفخر والتواضع. الفوز بجائزة مرموقة عن نصٍّ مثل “نيكروفيليا” كان تأكيدًا على أن القضايا التي تناولتها في النص تلامس القلوب والعقول. كنتُ سعيدة لأن العمل استطاع أن ينقل فكرته بعمق، لكني شعرتُ أيضًا بمسؤولية كبيرة للاستمرار في تقديم نصوص تعالج قضايا إنسانية بجرأة وصدق.
ما الذي يميز نص “نيكروفيليا”وما الرسالة الأساسية التي حاولت إيصالها من خلال المسرحية؟
– مسرحية “نيكروفيليا” تحمل عدة رسائل أساسية تعكس قضايا وجودية وإنسانية عميقة، منها: عبثية الحياة والموت
المسرحية تبرز فكرة أن الحياة قد تصبح عبثية في ظل الحروب والدمار، حيث يعيش الأفراد في حالة دائمة من الفقد واليأس، فيما يصبح الموت حضورًا دائمًا لا يمكن الهروب منه. وايضاً تضمن النص الحب كمحاولة للبقاء حيث يظهر الحب في المسرحية كعنصر متشبث بالحياة وسط الخراب. المرأة تعبر عن تعلقها بزوجها ومحاولتها المستميتة للحفاظ عليه، حتى لو كان ذلك يعني رعاية جثته.
وبعد فلسفي عميق عن التأثير المدمر للحرب تسلط المسرحية الضوء على آثار الحرب، ليس فقط على الأجساد، بل على النفوس والعلاقات الإنسانية. الرجل يعاني من صدمة الحروب، والمرأة تعيش في عالم مليء بالخسائر والصراعات. وما يرافق هذا من شعور بالعزلة.
شخصيات المسرحية تعيش في عزلة عن العالم الخارجي، مما يعكس حالة الاغتراب النفسي والاجتماعي التي يعاني منها الأفراد في مواجهة الفقد والألم.
تشير المسرحية إلى أن الألم والمعاناة قد يصبحان دوريين، حيث تعيد الشخصيات نفس الطقوس واليأس، ما يعكس قلة الحيلة أمام واقع الحياة القاسي.
واخيراً تضمنت المسرحية دور الامل في استمرار وجود الانسان .رغم كل شيء، تتمسك المرأة ببصيص من الأمل من خلال تذكّر الماضي الجميل وتخيل حياة أفضل، لكنها تظل محاصرة في واقعها المرير.
المسرحية تقدم رؤية فلسفية وإنسانية عميقة عن الصراع بين الحياة والموت، الحب واليأس، والحرب والسلام.
كيف ترين واقع المسرح العراقي في الوقت الحالي؟
– المسرح العراقي اليوم يواجه تحديات كبيرة، لكنه لا يزال ينبض بالحياة بفضل جهود الفنانين الذين يسعون للحفاظ على هذا الفن رغم الظروف الصعبة. قد يكون قد انحرف المسرح العراقي في بعض الأحيان عن مساره الصحيح، ومن الصعب تصحيح هذا الاتجاه. لذلك، قد ينظر إلى هذه الحقبة في المستقبل على أنها مرحلة سيئة السمعة للمسرح. ومع ذلك، فإن الجهود المستمرة لإعادة إحياء المسرح ورفع مستواه بدأت تؤتي ثمارها، على الرغم من التحديات الجسيمة.”
ما هي أبرز التحديات التي يواجهها المسرح العراقي اليوم؟
– أبرز التحديات تتمثل في الأزمات الاقتصادية، وغياب الدعم الحكومي، بالإضافة إلى التحديات الأمنية التي تحد من حرية التعبير. كما أن هناك نقصًا في المسارح المجهزة والبنية التحتية الثقافية، وهو ما يعيق تطور العمل المسرحي. كل ما ذكرت يمثل كفة واحدة والكفة الاخرى ذات ابعاد عميقة جداً تصل الى عمق الثقافة المجتمعية و مدى الوعي العام لدى طبقات المجتمع مما انتج لنا كتاب و منتجين يرغبون ب ارضاء الفهم البسيط واشباع رغبات الناس البسطاء برغبات بعضها جنسية من خلال خشبة المسرح. وهذه جريمة كبرى.
هل تعتقدين أن المسرح العراقي قادر على مواكبة التطورات العالمية؟
– نعم، المسرح العراقي يمتلك مواهب استثنائية قادرة على مواكبة التطورات العالمية. لكن ما يحتاجه فعلاً هو الدعم المادي والتقني، وفتح المجال أمام التجارب الجديدة التي تجمع بين الأصالة العراقية والرؤى الحديثة.
كيف تقيمين وضع المسرح العربي بشكل عام؟
المسرح العربي في حالة نهوض بطيء. هناك تجارب مميزة في بعض الدول، لكن ما يعيقه عمومًا هو نقص الدعم والرقابة المشددة. ومع ذلك، يبقى المسرح العربي قادرًا على معالجة قضايا إنسانية واجتماعية بطرق مبتكرة.
ما رأيك في المسرح المصري، خاصةً أنه يعتبر من أقدم وأعرق المسارح العربية؟
المسرح المصري هو حجر أساس المسرح العربي. يمتاز بتاريخه العريق وتنوعه الكبير. لقد كان مصدر إلهام للعديد من المسرحيين العرب، ولا يزال يحتفظ بمكانته كمنبر ثقافي وفني مهم.
هل هناك أعمال مصرية أو كتاب مسرحيون مصريون أثروا في أسلوبك أو ألهموكِ؟
بالطبع، تأثرتُ كثيرًا بأعمال توفيق الحكيم ويوسف إدريس. نصوصهم تحمل عمقًا فلسفيًا وإنسانيًا جعلني أجد في المسرح أداة للتعبير عن القضايا الكبرى.
تعتبرين المسرح أداة للدفاع عن قضايا المرأة. كيف يساعد المسرح في تعزيز حرية المرأة العربية؟
– المسرح يُعدّ من أقدم وأقوى أدوات التعبير الثقافي والاجتماعي، وقد أثبت دوره في تسليط الضوء على القضايا الإنسانية بشكل عام وقضايا المرأة بشكل خاص. من خلال الأعمال المسرحية، يمكن إيصال صوت المرأة، تجسيد معاناتها، وعرض تطلعاتها وطموحاتها.
المسرح يمنحها منصة لتحدي القوالب النمطية، وتعزيز الحوار حول حقوقها وحريتها.
على الرغم من ذلك، في واقعنا الحالي، نجد أن المسرح فقد بعضاً من قوته كأداة مؤثرة في هذا المجال، خاصة في المجتمعات العربية. ربما يعود ذلك إلى تراجع الدعم الثقافي، أو غياب النصوص الجريئة التي تُعالج قضايا المرأة بعمق. كما أن القيود المجتمعية والسياسية قد تعيق تحقيق المسرح لدوره الفعّال في مناقشة هذه القضايا.
ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن هناك تجارب مسرحية بارزة أثرت في الوعي الجمعي وساهمت في تغيير النظرة إلى المرأة ودورها في المجتمع. إعادة إحياء المسرح كمنبر للدفاع عن قضايا المرأة يتطلب رؤية جديدة، نصوصاً أكثر جرأة، ودعماً حقيقياً من المؤسسات الثقافية.
ما هي أكبر التحديات التي تواجه المرأة العربية في سعيها نحو الحرية والمساواة؟
– أكبر التحديات تتمثل في العادات والتقاليد التي تُقيّد المرأة، بالإضافة إلى غياب التشريعات التي تضمن حقوقها. كذلك، فإن التمييز في العمل وعدم تقبل المرأة كصوت مؤثر في بعض المجالات يُعد من العوائق الرئيسية.
هل تشعرين أن هناك تطورًا في تمثيل المرأة على خشبة المسرح في العراق والعالم العربي؟
– نعم، هناك تطور ملحوظ. باتت المرأة تلعب أدوارًا أكثر عمقًا وتعقيدًا، وتتناول قضاياها بشجاعة. ومع ذلك، لا يزال الطريق طويلًا لتحقيق تمثيل كامل يعكس دورها الحقيقي في المجتمع.
برأيك، ما الدور الذي يلعبه المسرح في معالجة القضايا الإنسانية الكبرى؟
– المسرح هو أداة قوية وفعالة في خلق الوعي والتحفيز على التغيير. من خلاله، يمكن تسليط الضوء على القضايا الإنسانية الكبرى مثل الحروب، والفقر، والعدالة الاجتماعية، حيث يتيح للمشاهدين فرصة لتأمل الواقع ومعايشته، مما يثير النقاش العميق ويشجع على التفكير النقدي.
المسرح لا يقتصر فقط على الترفيه، بل يمكن أن يكون محفزًا قويًا للتغيير الاجتماعي والسياسي، إذ يعكس مآسي الإنسان وأمله في عالم أفضل.
كيف يمكن للمسرح أن يكون أداة فعالة في مواجهة الفكر المتطرف والإرهاب؟
– المسرح يمكن أن يكون أداة فعالة في مواجهة الفكر المتطرف والإرهاب من خلال نشر قيم التسامح والحوار والتعايش السلمي. من خلال تقديم قصص إنسانية حقيقية تُظهر الآثار السلبية للتطرف على الأفراد والمجتمعات، يسهم المسرح في تغيير العقليات وتوسيع آفاق التفكير. بالإضافة إلى ذلك، يتيح المسرح للمشاهدين فرصة للتفكير النقدي والتعاطف مع ضحايا العنف، مما يساعد في بناء مجتمع أكثر وعيًا وأكثر استعدادًا للوقوف ضد التطرّف والأيديولوجيات المدمرة.
هل ترين أن الجمهور العربي متفاعل مع المسرح الذي يناقش قضايا إنسانية عميقة؟
– نعم، الجمهور العربي بشكل عام متفاعل مع المسرح الذي يناقش قضايا إنسانية عميقة، لكنه يحتاج إلى نصوص تُقدَّم بأسلوب يتناسب مع واقع حياته اليومية. الجمهور يبحث عن أعمال تعكس مشاعره وتلامس همومه الحقيقية، وتستطيع أن تفتح أمامه آفاقًا جديدة من خلال طرح قضايا قد يكون غارقًا فيها دون أن يعيها. المسرح يجب أن يكون جسرًا بين الفن والواقع، قادرًا على التعبير عن المعاناة والأمل بطريقة تجعل الجمهور يشعر بأن القضايا المطروحة جزء من حياته الشخصية.
من هم أبرز الكُتّاب أو الفنانين الذين أثروا في مسيرتك المسرحية؟
– تأثرت كثيرًا بتوفيق الحكيم، غسان كنفاني، صمويل بيكيت، ويوجين يونسكو. أعمالهم ألهمتني لاستكشاف قضايا الوجود الإنساني والبحث عن طرق مبتكرة للتعبير عنها.
ما هي مشاريعك القادمة؟ وهل ستستمرين في معالجة القضايا الإنسانية في نصوصك؟
– سأستمر دائمًا في التركيز على القضايا الإنسانية، لأنها تعكس وجع العالم بأسره.
النص الاخير الذي شاركت به ونال جائزة أور الإبداعية ( موت احمر ) يتضمن تصوير عميق لما تعانيه النساء أسيرات داعش ومعاناتهن النفسية والجسدية وعن مصير الأطفال حيث اذهب في عمق الذات الانسانية عندما تواجه ظروف قاهرة بهذا الحجم .
كيف ترين مستقبل المسرح العربي في ظل الأزمات الاقتصادية والسياسية؟
– رغم الأزمات الاقتصادية والسياسية التي يمر بها العالم العربي، أرى أن مستقبل المسرح العربي يبقى واعدًا. الفنان العربي يتمتع بقدرة استثنائية على الإبداع والتكيف مع أصعب الظروف، إذ أن التحديات غالبًا ما تبرز أفضل ما في الفنانين. ما نحتاجه هو دعم أكبر من الحكومات والمؤسسات الثقافية، بالإضافة إلى توفير بيئة حرة وآمنة تسمح للفنانين بالتعبير عن أفكارهم وتقديم أعمالهم دون قيود. المسرح العربي لديه القدرة على النهوض إذا توفرت له الإمكانيات اللازمة والحريات الضرورية للتعبير.
ما النصيحة التي تقدمينها للشباب الذين يرغبون في دخول عالم المسرح؟
– نصيحتي للشباب الذين يرغبون في دخول عالم المسرح هي أن يبدأوا من شغفهم الحقيقي. لا تخافوا من الفشل، لأن الطريق إلى النجاح مليء بالتحديات والتجارب. ركزوا على القضايا التي تؤمنون بها، لأن المسرح هو وسيلة قوية للتعبير عن الأفكار والآمال. يحتاج المسرح إلى أصوات جديدة وجريئة قادرة على التغيير، وليس فقط من يمتلكون الموهبة، بل أولئك الذين يتمتعون بالشجاعة لإحداث فرق في المجتمع. استثمروا في تطوير مهاراتكم، وابحثوا عن فرص للتعلم والنمو في هذا المجال.
كلمة أخيرة توجهينها لجمهور المسرح ولمن يؤمنون بأهمية الفن في التغيير.
المسرح هو مرآة المجتمع وضميره. استمروا في دعمه، لأنه قادر على تغيير العالم، فكرةً بفكرة، ومشهدًا بمشهد. الفن هو الأمل الذي نحتاجه جميعًا.
اقرأ أيضا:
فريدة شعراوي: بدايتي مع يوسف زيدان كانت عبر “شجون عربية” في مكتبة الإسكندرية
من بغداد إلى الدنمارك: رحلة ليلى المرّاني الأدبية بين التحديات والإنجازات
الدكتورة عايدة الجوهري لـ«الجمهورية والعالم»: نوال السعداوي عززت فيّ روح التمرد
القاصّة فاديا عيسى قراجة لـ«الجمهورية والعالم»: “أضع الرجل والمرأة تحت مجهر كتاباتي، كلاهما ظالم ومظلوم، وكلاهما يلهمان الجمال”
التطور الثقافي وذهنية التحريم: تحليل شامل مع يوسف هريمة
“رؤية جديدة في عالم الأدب: الكاتبة أمل درويش تحكي قصتها وتشارك تجاربها”
“من الحب والشغف إلى عوالم الترجمة والشعر: قصة أمل الشربيني
“تأملات فنية: البحث عن العمق والمعنى في أعمال الفنانة اللبنانية هناء عبد الخالق”
من رسم العيون إلى رسم الكلمات: قصة شغف سلوى إدريسي بالكتابة