ما بين الهند والأندلس: كيف تشابهت قصة دينا سانيشار مع “حي بن يقظان”؟
حين يصبح الإنسان ذئبًا: كيف أثرت الطفولة على حياة دينا سانيشار؟
القصة الحقيقية لدينا سانيشار: “ماوكلي” الذي نشأ بين الذئاب
ترجمة : سارة غنيم
دينا سانيشار هو أحد أكثر الأطفال الوحشيين شهرة في التاريخ، حيث نشأ بعيدًا عن الاتصال البشري وسط مجموعة من الذئاب في غابات الهند. يُعتقد أنه قد يكون الإلهام الحقيقي لشخصية “ماوكلي” في كتاب كتاب الأدغال لروديارد كيبلينج.
ورغم محاولات دمجه في المجتمع، لم يتمكن دينا أبدًا من اكتساب العادات والمهارات البشرية بشكل كامل.
كانت حياة دينا سانيشار واحدة من أكثر الحالات رمزية للأطفال الوحشيين—أولئك الذين نشأوا بعيدًا عن الاتصال البشري وتكيفوا مع بيئاتهم البرية.
تم العثور عليه من قبل مجموعة من الصيادين في منطقة بولاندشهر الهندية عام 1867، عندما كان عمره حوالي 6 سنوات. نشأ مع قطيع من الذئاب، يأكل اللحوم النيئة ويتصرف مثلهم تمامًا.
ورغم أنه أُعيد إلى المجتمع البشري، إلا أنه لم يستطع أبدًا التخلي عن سلوكياته الحيوانية بالكامل، مما يوضح الدور الحاسم للبيئة في تشكيل الدماغ البشري أثناء الطفولة.
ماوكلي الحقيقي أم مجرد صدفة؟
تتشابه قصة دينا سانيشار مع قصة “ماوكلي”، بطل كتاب الأدغال الذي نشره روديارد كيبلينج عام 1894، وهو نفس العام الذي توفي فيه سانيشار. هذا التشابه دفع البعض إلى الاعتقاد بأن كيبلينج ربما استلهم شخصية ماوكلي من دينا، رغم أن الكاتب لم يؤكد ذلك، مشيرًا إلى أن قصته استندت إلى مزيج من الحكايات والأساطير.
وتضيف الجمهورية والعالم برغم أن قصة دينا تبدو فريدة، فإن فكرة الإنسان الذي ينشأ في عزلة عن مجتمعه ليست جديدة تمامًا. في التراث العربي، نجد قصة “حي بن يقظان”، وهي رواية رمزية تتناول نشوء طفل في جزيرة معزولة بعيدًا عن البشر، حيث ينمو ويفكر في الكون والدين بمفرده.
وقد ظهرت هذه القصة بأكثر من صياغة على يد الفلاسفة ابن سينا، والسهروردي، وابن طفيل، وابن النفيس، لكن أشهرها كانت على يد ابن طفيل، الذي أثرت قصته في الأدب العالمي.
يُقال إن أعمالًا غربية مثل “روبنسون كروزو”و”طرزان” قد تأثرت بفكرة العيش في العزلة والتكيف مع الطبيعة، تمامًا كما نرى في قصة دينا سانيشار.
اكتشاف الطفل البري: كيف عُثر على دينا سانيشار؟
في عام 1867، لاحظت مجموعة من الصيادين في شمال الهند طفلاً عاريًا تمامًا يركض على أربع، تطارده مجموعة من الذئاب. في البداية، ظن الصيادون أن الذئاب تلاحقه كفريسة، لكنهم سرعان ما أدركوا أنه كان جزءًا من قطيعهم. وعندما لجأ الصبي إلى كهف، اقتحم الصيادون المكان وأخذوه معهم.
لكنه لم يكن كأي طفل آخر—كانت أنيابه حادة، ويداه تشبهان المخالب، وظهره منحنيًا مثل الذئب. لم يكن يهرب من الذئاب، بل كان واحدًا منهم.
محاولات فاشلة لإعادة دمجه في المجتمع
تم إيداع دينا في دار أيتام Sikandra Mission في مدينة أغرا، حيث حاول القائمون على الدار تعليمه العادات البشرية. لكنه رفض ارتداء الملابس، وسار بصعوبة على قدمين، وأصرّ على تناول اللحوم النيئة فقط.
حتى عندما بدأ يتكيف مع بعض العادات، لم يستطع أبدًا تعلم الكلام أو التفاعل الاجتماعي، باستثناء صداقته مع طفل بري آخر عاش ظروفًا مشابهة.
أحد العادات البشرية القليلة التي اكتسبها كانت التدخين، والتي ساهمت لاحقًا في تدهور صحته ووفاته عام 1895 بسبب مرض السل عن عمر 35 عامًا.
كيف يتكيف الدماغ مع بيئته؟
ظاهرة الأطفال الوحشيين مثل دينا تكشف عن قدرة الدماغ البشري على التكيف مع الظروف المحيطة. أثناء الطفولة المبكرة، يكون الدماغ في “فترة حرجة” يكون فيها شديد الحساسية للمنبهات الخارجية، حيث يحدد نوع البيئة التي ينمو فيها قدراته المستقبلية.
في حالة دينا، نشأ بين الذئاب، فتعلم تقليدهم واكتسب نظامهم في التواصل، مثل العواء والهدير. لكن عند إعادته إلى المجتمع البشري، لم يتمكن من تعلم اللغة أو العادات الاجتماعية، لأن الفترات الحرجة لتلك المهارات قد تجاوزها.
الطبيعة مقابل التربية: أيهما يُشكل هويتنا؟
وتضيف الجمهورية والعالم – قصة دينا، تمامًا مثل حي بن يقظان، روبنسون كروزو، وطرزان، تطرح سؤالًا مهمًا حول دور الطبيعة مقابل التربية. هل يولد الإنسان بمهاراته، أم أنه نتاج بيئته؟ يبدو أن الإجابة تكمن في مرونة الدماغ البشري—قدرته على التكيف مع أي بيئة يُوضع فيها، سواء كانت غابة الذئاب أو جزيرة منعزلة أو مجتمعًا حديثًا.
هذه القدرة على التكيف هي ما يجعل البشر فريدين، لكنها أيضًا تُظهر مدى أهمية التجارب المبكرة في تحديد هويتنا.
بهذا، تتلاقى الحقيقة مع الخيال، والأسطورة مع الواقع، لتروي لنا قصة الإنسان حينما يُترك وحيدًا في مواجهة الطبيعة.
——-
المقال للكاتب: لورينزو كوزيمانو
ترجمة: الجمهورية والعالم – عن صحيفة Geopop