تركيا تحذر: استبعادنا من الدفاع الأوروبي المشترك “خطأ استراتيجي”
كتبت : بريجيت محمد
في ظل التحديات الأمنية المتزايدة التي تواجه أوروبا، يتنامى النقاش حول بناء نظام دفاعي أوروبي مستقل عن الضمانات الأمنية الأمريكية. ومع استمرار الحرب في أوكرانيا وتصاعد حالة عدم الاستقرار العالمي، تبحث الدول الأوروبية عن استراتيجيات جديدة لتعزيز أمنها. لكن يظل هناك تساؤل جوهري: ما هو الدور الذي ستلعبه تركيا في هذا المخطط؟
الموقع الاستراتيجي والدور العسكري لتركيا
تمثل تركيا حلقة وصل حيوية بين أوروبا وآسيا، إذ تتحكم في الممر البحري بين البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط، مما يمنحها ثقلاً جيوسياسيًا بالغ الأهمية. كما تمتلك واحدًا من أقوى الجيوش داخل حلف الناتو، مدعومًا بتكنولوجيا متطورة وقوة عسكرية كبيرة.
ورغم ذلك، فإن علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي تشوبها التوترات بسبب ملفات متعددة، أبرزها قضايا حقوق الإنسان، واستقلالية سياستها الخارجية، وعلاقاتها المتقاربة مع روسيا.
في السنوات الأخيرة، أثبتت أنقرة قدرتها على اتخاذ قرارات مستقلة بعيدًا عن سياسات الغرب، حيث تدخلت في نزاعات إقليمية متعددة، وسعت إلى تعزيز شراكاتها مع موسكو. وقد أثارت هذه التحركات مخاوف بين بعض دول الاتحاد الأوروبي، التي تخشى أن تؤدي مشاركة تركيا في أي منظومة دفاعية أوروبية مشتركة إلى إضعاف وحدة الكتلة وتماسك استراتيجيتها الأمنية.
تركيا: “استبعادنا سيكون خطأ استراتيجيًا“
في هذا السياق، شدد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، يوم الخميس، على ضرورة عدم استبعاد بلاده من أي مشروع دفاعي أوروبي مشترك، معتبرًا أن ذلك سيكون “استراتيجية غير واقعية”. وفي مؤتمر صحفي عقده مع نظيره الألباني، قال فيدان:
“تركيا لاعب رئيسي في الأمن الأوروبي، واستبعادها من أي منظومة دفاعية مشتركة لن يكون قرارًا حكيمًا. لا يمكن ضمان أمن القارة دون التعاون مع أنقرة، التي تمتلك موقعًا استراتيجيًا وقدرات عسكرية متقدمة.”
كما أشار فيدان إلى التحولات في السياسة الخارجية الأمريكية، مشيرًا إلى أن سياسات إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب بشأن أوكرانيا تختلف جذريًا عن مواقف الإدارة الحالية، مما يزيد من الحاجة إلى بناء تحالفات أوروبية أكثر استقلالية.
الملف الإنساني في غزة والتعاون الاقتصادي مع ألبانيا
وخلال المؤتمر الصحفي، لم يقتصر حديث وزير الخارجية التركي على الدفاع الأوروبي، بل تطرق أيضًا إلى الوضع الإنساني المتدهور في قطاع غزة، محذرًا من كارثة إنسانية وشيكة
نتيجة نقص الغذاء والدواء. ودعا فيدان إلى اتخاذ إجراءات عاجلة واعتماد “طرق بديلة لإيصال المساعدات الإنسانية إلى الإقليم”.
على صعيد آخر، أكد الوزير التركي على استمرار التعاون الاقتصادي بين بلاده وألبانيا، مشيرًا إلى هدف مشترك يتمثل في زيادة حجم التجارة الثنائية إلى مليار يورو سنويًا، مع خطط مستقبلية لمضاعفة هذا الرقم من خلال مشاريع استثمارية جديدة.
مستقبل تركيا في الدفاع الأوروبي المشترك
يضع طلب أنقرة للمشاركة في الدفاع الأوروبي المشترك الاتحاد الأوروبي أمام تحدٍ استراتيجي جديد. فبينما تسعى أوروبا إلى تقليل اعتمادها على الولايات المتحدة، يظل إدماج تركيا في أي تحالف دفاعي أوروبي موضع جدل، خاصة في ظل سياستها الخارجية المستقلة وعلاقاتها مع روسيا.
يبقى السؤال الأهم: هل يمكن لأوروبا تجاهل دور تركيا في معادلة أمنها القومي، أم أن التحديات الراهنة ستفرض واقعًا جديدًا يتطلب إعادة النظر في العلاقة بين أنقرة وبروكسل؟